Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 77-83)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : سيء : مبني للمفعول ، صلة : سَوِئ ، نُقلت حركة الواو إلى السين بعد ذهاب حركتها ، ثم قلبت الولو ياء . وذرعاً : تمييز محول عن الفاعل ، أي : ضاق ذرعه ، وهو كناية عن شدة الانقباض عن مدافعة الأمر المكروه ، وعجزه عن مقاومته . ولو أن لي بكم قوة : إما للتمني فلا جواب له ، أو محذوف ، أي : لدفعت . وفيأَسْرَ لغتان : قطع الهمزة من الإسراء ، ووصلها من السُّرى ، وقرئ بهما معاً ، وإلا امرأتك الرفع بدل من أحد ، وبالنصب منصوب بالاستثناء من فأسر بأهلك . ومنشأ القراءتين : هل أخرجها معه ، فالتفتت أم لا ؟ فمن رفع ذهب إلى أنه أخرجها . ومن نصب ذهب إلى أنه لم يسر بها ، وهما روايتان . يقول الحق جلاله : { ولما جاءت رسلُنا } ، وهم الملائكة المتقدمون ، { لوطاً سِيءَ بهم } ساءه مجيئهم لأنهم أتوه في صورة غلمان حسان الوجوه ، فظن أنهم بشر ، فخاف عليهم من قومه أن يقصدوهم للفاحشة ، ولا يقدر على مدافعتهم ، { وضاقَ بهم ذرعاً } أي : ضاق صدره بهم ، { وقال هذا يومٌ عصيبٌ } : شديد من عصبه : إذا شده ، ورُوي أن الله تعالى قال لهم : لا تهلكوا قومه حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله ، قال لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية ؟ قالوا : وما أمرهم ؟ قال : أشهد بالله أنها شرُّ قرية في الأرض عملاً . قال ذلك أربع مرات . فدخلوا منزله ، ولم يعلم بذلك أحد ، فخرجت امرأته فأخبرتهم ، { وجاءه قومُه يُهرَعُون } يُسرعون { إليه } كأنهم يُدفعون إليه دفعاً ، لطلب الفاحشة من أضيافه . { ومن قبل } ذلك الوقت { كانوا يعملون السيئات } الفواحش ، كاللواطة ، وغيرها ، مستمرين عليها مجاهرين بها ، حتى لم يستحيوا وجاؤوا يهرعون إليها . { قال يا قوم هؤلاء بناتي } تزوجوهن ، وكانوا يطلبونهن قبل ، فلا يجيبهم لخبثهم ، وعدم كفاءتهم ، لا لحرمة المسلمات على الكفار ، فإنه شرع طارئ قال ابن جزي : وإنما قال لهم ذلك ليقي أضيافه ببناته . قيل : إن اسم بناته ، الواحدة : ريثا ، والأخرى : غوثاً . هـ . ولم يذكر الثالثة ، فعرضهن عليهم ، وقال : { هنَّ أطهرُ لكم } أحل لكم ، أو أقل فحشاً ، كقولك : الميتة أطيب من المغضوب ، { فاتقوا الله } بترك الفواحش ، { ولا تُحزون } لا تفضحوني { في ضيفي } في شأنهم ، فإن افتضاح ضيف الرجل خزي له . { أليس منكم رجلٌ رشيدٌ } عاقل يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح . { قالوا لقدْ علمتَ ما لنا من بناتك من حقٍّ } من حاجة ، { وإنك لتعلم ما نُريد } وهو إتيان الذكران ، { قال لو أن لي } ليت لي { بكم قوةً } طاقة على دفعكم بنفسي ، { أو آوي إلى ركن شديد } أو ألجأ إلى أصحاب أو عشيرةٍ يحمونَني منكم ، شبه ما يتمتع بهم بركن الجبل في شدته ، قال صلى الله عليه وسلم : " رَحِمَ اللَّهُ أَخي لُوطاً لقد كَانَ يأوي إِلى رُكنٍ شَديدٍ " يعني : الله تعالى . رُوي أنه أغلق بابه دون أضيافه ، وأخذ يجادلهم من وراء الباب ، فتسوروا الجدار ، فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب ، { قالوا يا لوطُ إنا رُسلُ ربك لن يصلُوا إليك } : لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا ، فهون عليك ودَعْنا وإياهم . فخلاهم ، فلما دخلوا ضرب . جبريل عليه السلام بجناحيه وجوههم ، فطمس أعينهم ، وأعمالهم ، فخرجوا يقولون : النجاء النجاء في بيت لوط سحرة ، فقالت الملائكة للوط عليه السلام : { فأسرٍ بأهلك } سِر بهم { بقطع من الليل } : بطائفة منه ، { ولا يلتفت منكم أحدٌ } : لا يتخلف ، أو لا ينظر إلى ورائة لئلا يرى ما يهوله . والنهي في المعنى يتوجه إلى لوط ، وإن كان في اللفظ مسنداً إلى أحد . { إلا امرأتك } ، اسمها : واهلة ، أي : فلا تسر بها ، أو : ولا ينظر أحد منكم إلى ورائه إلا امرأتك فإنها تنظر . رُوي أنها خرجت معه ، فلما سمعت صوات العذاب التفتت وقالت : يا قوماه فأدركها حجر فقتلها ، ولذلك قال : { أنه مُصيبُها ما أصابهم } من العذاب ، { إن موعدَهُم } وقت { الصُّبحُ } في نزول العذاب بهم ، فاستبطأ لوط وقتَ الصبح ، وقال : هلا عُذبوا الأن ؟ فقالوا : { أليس الصبح بقريب } . { فلما جاء أمرنا } عذابنا ، أو أمرنا به ، { جعلنا } مدائنهم { عاليَها سافلَها } ، رُوي أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائنهم ، ورفعها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب ، وصياح الديكة ، ثم قلبها بهم . { وأمطرنا عليهم } على المدائن ، أي : أهلها ، أو على ما حولها . رُوي أنه من كان منهم خارجَ المدائن أصابته الحجارة من السماء ، وأما من كان في المدائن ، فهلك لمّا قلبت . فأرسلنا عليهم : { حجارة من سجيل } : من طين طبخ بالنار ، أو من طين متحجر كقوله : { حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [ الذاريات : 33 ] ، وأصلها : سنكِين ، ثم عرب ، وقيل : إنه من أسجله إذا أرسله ، أي : من مثل الشيء المرسل ، وقيل : أصله من سجين ، أي جهنم ، ثم أبدلت نونه لاماً ، { منضود } : مضموم بعضه فوق بعض ، معداً لعذابهم ، أو متتابع يتبع بعضه بعضاً في الإرسال ، كقطر الأمطار . { مُسَوّمةً } أي : معلمة للعذاب ، وقيل : معلمة ببياض وحمرة ، أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض ، أو باسم من يرمي به فكل حجارة كان فيها اسم من ترمى به ، وقوله : { عند ربك } ، أي : في خزائن علمه وقدرته ، { وما هي من الظالمين ببعيد } بل هي قريبة من كل ظالم . قال ابن جزي : الضمير للحجارة ، والمراد بالظالمين : كفار قريش ، فهذا تهديد لهم ، أي : ليس الرمي بالحجارة ببعيد منهم لأجل كفرهم ، وقيل : الضمير للمدائن ، أي : ليس مدائنهم ببعيد منهم أفلا يعتبرون بها . كقوله : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } [ الفرقان : 40 ] . وقيل : الظالمين على العموم . هـ . وقال البيضاوي : وعنه عليه الصلاة والسلام ـ : " أَنَّهُ سَأَلَ جِبريل ، فَقَال : " يَعني : ظَالِمي أُمتِكَ ، مَا مِنْ ظَالمٍ منهم إِلاَّ هوَ معرض لحَجَرٍ يَسقُط عليه مَنْ سَاعَةٍ إلى ساعة " هـ . الإشارة : الاعتناء بشأن الأضياف ، وحفظ حرمتهم : من شأن الكرام ، والاستخفاف بحقهم ، والتجاسر عليهم ، من فعل اللئام . وفي الحديث : " مَن كَانَ يُؤمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخر فَليُكرمْ ضَيفَهُ " والإسراع إلى الفواحش من علامة الهلاك ، لا سيما اللواطَ والسفاح . والإيواء إلى الله والاعتصام به من علامة الفلاح ، والبعد عن ساحة أهل الفساد من شيم أهل الصلاح ، وكل من اشتغل بالظلم والفساد فالرمي بالحجارة إليه بالمرصاد . ثم ذكر قصة شعيب ، فقالِ : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } .