Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 91-93)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " سوف تعلمون " : ذكره هنا بغير فاء ، وفي الأنعام بالفاء ، لأن الكلام في سورة الأنعام مع الأمة المحمدية ، فأتى بالفاء لمطلق السببية ، وهنا مع قوم شعيب عليه السلام ، فحذفها لأنه أبلغ في التهويل . فكأن الجملة بيانية لجواب سائل قال : فما يكون بعد ذلك ؟ فقال : سوف تعلمون … الخ . يقول الحق جل جلاله : { قالوا يا شعيبُ ما نفقه } ما نفهم { كثيراً مما تقول } من أمر التوحيد ، وترك التبخيس ، وما ذكرت من الدليل عليها وذلك لانهماكم في الهوى ، وقصور عقلهم وعدم تفكرهم . وقيل : قالوا ذلك استهانة بكلامه ، أو لأنهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدة نفرتهم . ثم قالوا : { وإنا لنراك فينا ضعيفاً } لا قوة لك تمتنع بها منا إن أردنا بك سوءاً ، أو : نراك ناحل البدن ، أو : ضرير البصر . وضعفه ابن عطيه . { ولولا رهطُك } أي : قومك ، الذين هم باقُون على ما ملتنا ، وكونهم في عزة عندنا ، { لرجَمْنَاكَ } : لقتلناك بالحجارة . أو بأصعب وجه ، { وما أنت علينا بعزيز } فتمنعنا عزتك من رجمك . قال البيضاوي : وهذا ديدن السفيه المحجوج ، يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد . وفي إيلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة ، وأن المانع لهم من إيذائه عزة قومه . ولذلك قال : { يا قوم أرَهْطِي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءَكم ظِهْرياً } ، وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر ، بإشراككم به ، والإهانة لرسوله . وهو يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب . والظهري : منسوب إلى الظهر ، والكسر من تغيير البناء . هـ . قال ابن جزي : فإن قيل : إنما وقع الكلام فيه وفي رهطه ، بأنهم هم الأعزة دونه ، فكيف طابق جوابه كلامهم ؟ فالجواب : أن تهاونهم به ، وهو رسول الله ، تهاون بالله . فلذلك قال : { أرهطي أعز عليكم من الله } . هـ . { إن ربي بما تعملون محيط } فلا يخفى عليه شيء منها ، فيجازي عليها بتمامها . { ويا قوم اعملوا على مكانتكم } : على حالتكم من تمكنكم في الدنيا ، وعزتكم فيها ، { إني عامل } على حالي ، { سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } ، يُهينه في الدنيا والآخرة ، { و } سوف تعلمون { من هو كاذب } مني ومنكم ، { وارتقبوا } وانتظروا ما أقول لكم ، { إني معكم رقيب } : مرتقب لذلك . وهو فعيل بمعنى فاعل ، كالصريح والرفيع . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا يفقه المواعظ والتذكير إلا أهل الإيمان والتنوير . وأما القلب القاسي بالكفر والمعاصي فلا يسمع إلا ما تسمعه البهائم من الناعق والراعي . فبقدر ما يرق القلب يتأثر بالمواعظ ، وبقدر ما يغلظ باتباع الحظوظ والهوى يغيب عن تدبر المواعظ . وسبب تنوير القلب ورقته : قربه من الله ، وتعظيمه لحرمات الله ، وتعظيم من جاء من عند الله من أنبيائه ورسله ، وورثتهم القائمين بحجته ، كالأولياء والعلماء الأتقياء . وسبب ظلمة القلب وقساوته : بعده من الله ، وإهانته لحرمات الله ، واتخاذه أمره ظهرياً ، وجعل ذكره نسياً منسياً . وبالله التوفيق . ثم ذكر هلاك قوم شعيب ، فقال : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً } .