Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 88-90)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : جواب " إن كنت " : محذوف ، أي : فهل ينبغي أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره . يقول الحق جل جلاله : { قال } شعيب لقومه : { يا قوم أرأيتم إن كنتم على بينةٍ من ربي } ، وهي النبوة والعلم والحكمة ، { ورزقني منه } من عنده ، وبإعانته ، بلا كد في تحصيله ، { رزقاً حسناً } : حلالاً ، إشارة إلى من آتاه من المال الحلال . فهل يسع لِي بعد هذا الإنعام ، الجامع للسعادات الروحانية والجسمانية ، أن أخون في وحيه ، وأخالفه في أمره ونهيه ، حتى لا أنهاكم عن عبادة الأوثان ، والكف عن العصيان ، والأنبياء لا يبعثون إلا بذلك ، وهذا منه اعتذار لما أنكروا عليه من الأمر بالخروج عن عوائدهم ، وترك ما ألفوه من دينهم الفاسد ، أي : كيف أترك ما أمرني به ربي من تبليغ وحيه ، وأنا على بينة منه ، وقد أغناني الله عنكم وعن غيركم . ولذلك قال إثره : { وما أريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } أي : وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه لأَستبد به دونكم ، فتتهموني إن أردت الاستبداد به . يقال : خالفني فلان إلى كذا : إذا قصده ، وأنت مول عنه ، وخالفني عنه : إذا ولى عنه وأنت قاصده . { إن أريدُ إلا صلاحَ ما استطعت } أي : ما أريد إلا أن أصلحكم بأمري لكم بالمعروف ، ونهيي لكم عن المنكر جهد استطاعتي . قال البيضاوي : ولهذه الأجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن ، وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة : أهمها وأعلاها : حق الله تعالى . وثانيها : حق النفس ، وثالثها : حق الناس . هـ . قلت : فحق الله : كونه على بينة من ربه ، وحق النفس : تمكينه من الرزق الحسَن . وحق الناس : نصحهم من غير طمع ، ولا حظ . ثم قال : { وما توفيقي إلا بالله } وما توفيقي لإجابة الحق ، والصواب إلا بهدايته ومعونته ، { عليه توكلتُ } فإنه القادر على كل شيء ، وما عداه عاجز بل معدوم ، ساقط عن درجة الاعتبار . وفيه إشارة إلى محض التوحيد ، الذي هو أقصى مراتب العلم بالله . { وإليه أُنيب } أرجع في جميع أموري . { ويا قوم لا يجرمنكم } : لا يُكسبنكم { شقاقي } : معاداتي ، { أن يُصيبكم مثل ما أصاب قومَ نوح } من الغرق ، { أو قومَ هودٍ } من الريح ، { أو قومَ صالحٍ } من الصيحة ، والمعنى : لا تخالفوني فيجركمْ ذلك إلى الهلاك كما هلك الأمم قبلكم ، { وما قومُ لوطٍ منكم ببعيدٍ } زماناً ولا مكاناً ، فإن لم تعتبروا بمن قبلكم ، فاعتبروا بهم إذ هم ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوئ ، فلا يبْعد عنكم ما أصابهم . وإنما أفرد " بعيد " لأن المراد : وما إهلاكهم ، أو وما هم بشيء بعيد . { واستغفروا ربَّكم ثم تُوبوا إليه } عما أنتم عليه { إن ربي رحيم } عظيم الرحمة للتائبين { ودود } متودد إليهم ، فاعل بهم من اللطف والإحسان ما يفعل البليغ بمن يوده ، وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار . قاله البيضاوي . الإشارة : قد تضمنت خطبة شعيب عليه السلام ست خصال ، من اجتمعت فيه فاز بسعادة الدارين : الأولى : فتح البصيرة ، ونفوذ العزيمة ، وتنوير القلب بمعرفة الله ، حتى يكون على بينة من ربه . الثانية : تيسير الرزق الحلال ، من غير تعب ولا مشقة ، يستعين به على طاعة ربه ، ويقوم به بمؤنة أمره . الثالثة : السعي في إصلاح عباد الله وإرشادهم ، ودعاؤهم إلى الله من غير طمع ولا حرف ، ويكون حاله يصحح مقاله ، فلا يترك ما أمر به ، ولا يفعل ما نهى عنه . الرابعة : الاعتماد على الله والرجوع إليه في توفيقه وتسديده ، وفي أمر دنياه ودينه ، بحيث لا يرجو إلا الله ، ولا يخاف إلا منه . الخامسة : الحذر والتحذير من مخالفة ما جاءت به الرسل من عند الله ، والتمسك بما أمروا به من طاعة الله ، والاعتذار بمن هلك قبله ممن خالف أمر الله . السادسة : تحقيق التوبة والانكسار ، والإكثار من الذكر والاستغفار . فذلك سبب المودة من الكريم الغفار . ولأجل هذه الخطبة سُمي شعيب خطيب الأنبياء . والله تعالى أعلم . ثم ذكر جواب قومه ، فقال : { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } .