Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 102-107)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : ذلك : مبتدأ ، ومن أنباء الغيب : خبر . ونوحيه : حال . يقول الحق جل جلاله : ذلك أي : خبر يوسف وقصته ، هو { من أنباء } أخبار { الغيب } التي لم يكن لك بها علم ، وإنما عَلِمْتَه بالوحي الذي { نُوحيه إليك } فأخبرتهم به . { وما كنت لديهم } أي : وما حضرت عندهم ، { إذ أجمعوا أمرَهم } : حين عزموا أمرهم على أن يجعلوه في غَيَِابَةِ الجب ، { وهم يمكرون } به ، وبأبيه ليرسله معهم . ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحداً من الأحبار فتعلمت ذلك منه ، فتحققوا أنه وحي من عند الله ، ولكن جحدوا { وما أكثرُ الناس ولو حرصْتَ } على إيمانهم ، وبالغت في إظهار الآيات لهم ، { بمؤمنين } لعنادهم وتصميمهم على الكفر ، { وما تسألُهم عليه } على تبليغ هذا النبأ ، أو القرآن ، { من أجرٍ } كما يفعله حملة الأخبار من الأحْبار . { إن هو إلا ذِكْرٌ } : عظة من الله ، { للعالمين } من الجن والإنس . { وكأيّنَ } : كثيراً { من آية في السماوات والأرضِ } الدالة على وجود صانعها وتوحيده ، وكمال قدرته وتمام حكمته ، { يَمرُّونَ عليها } ويشاهدونها ، { وهم عنها مُعْرِضُون } : لا يتفكرون فيها ، ولا يعتبرون . { وما يؤمن أكثرُهُم بالله } أي : وما يصدق أكثرهم بوجود الله في إقرارهم ، بوجوده ، وخالقيته للأشياء ، وأنه الرزّاق المميت . { إلا وهم مشركون } بعبادة الأصنام ، أو باتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً ، أو بنسبة التبني إليه ، أو الوقوف مع الأسباب ، أو غير ذلك من أنواع الشرك الجلي والرهبان أرباباً ، أو بنسبة التبني إليه ، أو بالوقوف مع الأسباب ، أو غير ذلك من أنواع الشرك والجلي والخفي . قيل : نزلت في مشركي مكة ، وكانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً تملكه وما ملك : وقيل : في أهل الكتاب . { أفأمنوا أن تأتيهم غاشيةٌ } : عقوبة تغشاهم وتشملهم ، { من عذاب الله } المرسل على الأمم المتقدمة ، { أو تأتيهم الساعةُ بغتهً } : فجأة ، { وهم لا يشعرون } بإتيانها ، غير مستعدين لها . الإشارة : قوله تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير ، الداعين إلى مقام الخصوصية ، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم ، بمهتدين إلى مقام الخصوصية لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان قال تعالى : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] . وتقدم في سورة هود ما يتعلق بقوله : { وما تسألهم عليه من أجر } . وقوله تعالى : { وكأيِّن من آية … } الخ ، فيه ذم الغفلة ، والإعراض عن التفكر والاعتبار فإن الحق جل جلاله ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها ، وتظهر فيها أسرار ذاته ، وأنوار صفاته . قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها ، ولكن لترى فيها مولاها فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها تراها من حيث ظهوره فيها ، ولا تراها من حيث كونيتها . قال : ولنا في هذا المعنى : @ ما أثبتَ لَكَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا فَارْقَ عَنهَا رُقِيَ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا . هـ . @@ وقوله تعالى : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص ، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون ، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار ، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار ، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار ، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب ، برؤية مسبب الأسباب ، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب ، فإن التفتوا إلى غيره ، غفلةً ، أدبهم ، وردهم إلى حضرته . هذا شأنهم معه أبداً . جعلنا الله منهم ، وخرطنا في سلكهم آمين . ثم أوضح طريقهم ، فقال : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } .