Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 108-108)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : أدعوا : حال من الياء . وعلى بصيرة : حال ثان ، وأنا ومن اتبعني : الضمير تأكيد للمستكن في أدعو ، أو في على بصيرة ، أو مبتدأ خبره : على بصيرة ، مقدم . يقول الحق جل جلاله : { قل } يا محمد : { هذه سبيلي } : طريقي الذي جئتُ به من عند ربي وهي الدعوة إلى التوحيد ، والتاهب ليوم المعاد . ثم فسرها بقوله : { أدعو إلى الله } ، أول حال كوني داعياً إلى الله ، أي : إلى توحيده ومعرفته والأدب معه ، { على بصيرة } : حجة واضحة ، وبينة من ربي ، لا عن تقليد أو عمى . أدعو إلى الله { أنا ومن اتبعني } فمن كان على قدمي فهو يدعو أيضاً إلى الله علي بصيرة وبينة من ربه ، { وسبحان الله } : وأنزهه عن الشركاء والأنداد ، { وما أنا من المشركين } به شركاً جلياً ولا خفياً ، بل مخلصاً موحداً . الإشارة : لا يصلح العبد أن يكون داعياً إلى الله حتى يكون على بصيرة من ربه ، بحيث لا يبقى فيه تقليد بحت ، ولا يختلجه شك ولا هم . والدعاة إلى الله على ثلاث مراتب : فمنهم من يدعو على بصيرة الإسلام وهم الدعاة إلى معرفة أحكام الله وشرائعه ، ومنهم من يدعو على بصيرة الإيمان ، وهم الدعاة إلى معرفة صفات الله تعالى وكمالاته ، ومعرفة ما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز على طريق البرهان الواضح . ومنهم من يدعو إلى الله على بصيرة الإحسان ، وهم الدعاة إلى معرفة الذات العلية على نعت الشهود والعيان ، من طريق الذوق والوجدان وهم العارفون بالله ، أهل النور المخرق ، بحيث كل من واجههم خرق النور إلى باطنه . وهذه الدعوة الحقيقية والبصيرة النافذة ، وأهل هذا المقام هم اهل التربية النبوية ، فدعوة هؤلاء أكثر نفعاً ، وأنجح تأثيراً في زمن يسير يهدي الله على أيديهم الجم الغفير . قال في نوادر الأصول : الداعي إلى الله على بصيرة أي معاينة هو الذي قلبه عند الله ، وعلى بصيرة في الطريق ، ومحل القلوب في تلك المراتب ناطقاً بالله ، عن الله ، فلذلك يلج آذان المستمعين ، مع الكسوة التي تخرق كل حجاب ، وهو نورالله ، لأنه خرج من قلب مشحون بالنور ، فخرق كل حجاب قد تراكم على قلوب المخلطين ، فخلصها إلى نور التوحيد فأنارها بمنزلة جمرة وصلت النفخة إليها ، فالتهبت ناراً ، فاضاءت البيت . وهذا سبيل الناطق عن الله . ثم قال : وكيف يجوز الدعاء إلى الله لمن ليس عند الله ، وهو لله ، وإنما قلبه عند نفسه ولنفسه ، مشغول بنهمته وشهواته وأحواله ، وإنما هذا لمن تفرغ من نفسه ، واشتغل بالله . هـ . ثم رد على من زعم من الكفار أن الرسول من البشر ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } .