Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 111-111)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { لقد كان في قصصهم } أي : في قصص الأنبياء وأممهم ، أو في قصة يوسف وإخوته ، { عبرةٌ لأولي الألباب } : لذوي العقول الصافية الخالصة من شوائب الإلف والعادة ، ومن الركون إلى الحس لأن الإخبار بهم على يد نبي أمي آية واضحة لمن تفكر بقلب خالص . { ما كان حديثاً يُفترى } أي : ما كان القرآن حديثاً مُفترىً ، { ولكن } كان { تصديقَ الذي بين يديه } من الكتب الإلهية ، { وتفصيلَ كل شيء } يحتاج إليه في الدارين إذ ما من أمر ديني إلا وله مستند من القرآن بوسط ، أو بغير وسط . { وهُدى } من الضلال ، { ورحمةً } ينال بها خير الدارين ، { لقوم يؤمنون } : يصدقون به ، ويتدبرون في معانيه . الإشارة : تفكر الاعتبار يشد عُروة الإيمان ، وفكرة الاستبصار تشد عُروة الإحسان . قال في الحِكَم : " الفكرة فكرتان : فكرة تصديق وإيمان ، وفكرة شهود وعيان . فالأولى : لأهل التفكر والاعتبار ، والثانية : لأهل الشهود والاستبصار " . ومرجع الاعتبار إلى خمسة أمور : الأول : التفكر في سرعة انصرام الدنيا وانقراضها ، وذهاب أهلها . قرناً فقرنا ، وجيلاً فجيلاً . فيوجب ذلك الزهد في الدنيا ، والإعْراض عن زخرفها الغرارة ، والتأهب للدار الباقية . الثاني : التفكر في الدار الباقية ، ودوام نعيمها ، أو عذابها . وذلك مرتب على السَّعْي في هذه الدار ، فيوجب ذلك انتهاز الفرصة في الأعمال ، واغتنام الأوقات والساعات قبل الفوات . الثالث : التفكر في النعم التي أنعم الحق تعالى بها على الإنسان إما ظاهرة كالعافية في البدن ، والزرق الحلال ، وما يتبع ذلك مما لا يحصى قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] . وإما باطنة : كنعمة الإسلام والإيمان ، وصحيح العرفان ، والاستقامة في الدين ، ولا سيما إن رزقه الله من يأخذ بيده من شيخ عارف . فهذه نعمة عظمى قَلَّ من يسقط عليها . فيوجب له ذلك الشكر الذي هو أعلى المقامات ، ومتكفِّل بالزيادات ، قال تعالى { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] … ولا يعرف العبد ما عليه من النعم إلا بالتفكر في أضدادها ، والنظر إلى أهل البلاء . الرابع : التفكر في عيوبه ومساوئه ، لعله يسعى في تطهيرها ، أو يشتغل بها عن عيوب غيره . الخامس : التفكر فيما أظهر الله تعالى من أنواع المكونات ، وضروب المصنوعات فيعرف بذلك جلالة الصانع ، وعظيم قدرته ، وإحاطة علمه ، وحكمته . فإن اتصل بشيخ عارف غيَّبه عنها بشهود مكونها . وبالله التوفيق . وهو الهادي إلى سواء الطريق