Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 11-14)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : تأمننا : اجتمع نونان ، فيجوز الإدغام ، وبه قرأ أبو جعفر ، وقرأ الجماعة بالإشمام . وقوله : يرتع ويلعب : جواب الأمر ، فمن قرأ بكسر العين فجزمه بحذف الياء ، وهو من رعي الإبل ، ومن قرأ بالإسكان فهو من الرتع ، وهي الإقامة في الخصب والنعم ، والتاء على هذا أصلية . ووزن الفعل : يفعل ، ووزنه على الأول يفتعل ، قال ابن عطية : فيرتع على قراءة نافع من رعي الإبل ، أي : يتدرب في رعي الإبل وحفظ المال . قال أبو علي : وقراءة ابن كثير : نرتع بالنون ويلعب بالياء ، فنزعها حسن لإسناد النظر في المال والرعاية إليهم ، واللعب إلى يوسف لصباه ، وقرأ أبو عمر وابن عامر : نرتع ونلعب بالنون فيهما ، وإسكان العين والباء ، من الرتوع ، وهو الإقامة في الخصب والمرعي في أكل وشرب ، وقرأ عاصم والأخَوان : يرتع ويلعب بإسناد ذلك كله إلى يوسف . هـ . قلت : وكذا قرأ نافع ، غير أنه يكسر العين وهم يسكنون . ونحن عصبة : حال ، والرابط الواو ، والعصبة : الجماعة من العشرة إلى فوق . يقول الحق جل جلاله : قال إخوة يوسف لأبيهم : { يا أبانا مَا لَك لا تأمنّا على يوسف } أي : لم تخافنا عليه ؟ { وإنا له لناصحون } نشفق عليه ، ونريد له الخير . أرادوا أن يستنزلوه عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم . قلت : قد نصحوه في الحقيقة حيث تسببوا في ملكه وعزه . رُوي أنهم لما قالوا له : مالك … الخ ، اهتزت أركانه ، واصفر لونه ، واصطكت أسنانه ، وتحركت جوانبه ، كأنه علم بما في قلوبهم بالفراسة . ثم قالوا : { أرسِله معنا غداً يرتع } : يتسع في أكل الفواكه ونحوها . أو يتعلم الرعاية ، { ويلعبُ } بالاستباق والانتضال ، { وإنا له لحافظون } أن يناله مكروه { قال } يعقوب : { إني ليحزنني أن تذهبوا به } لشدة مفارقته عليَّ ، وقلة صبري عنه ، { وأخافُ أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافِلُون } : لاشتغالكم بالرتع واللعب ، أو لقلة اهتمامكم به ، وإنما خاف عليه من الذيب ، لأن الأرض كانت مذأبة ، وقيل : رأى في المنام أن الذئاب أحدقت بيوسف ، فكان يخافه ، وإنما كان تأويلها : إحداق إخوته به حين أرادوا قتله . { قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة } : جماعة ، { إنا إذا لخاسرون } : مغبونون من القوة والحزم ، أو مستحقون بأن يدعى عليهم بالخسارة . الإشارة : لم يسمح يعقوب عليه السلام بفراق حبيبه ساعة ، وكذلك العبد لا ينبغي أن يغفل عن سيده لحظة لأن الغفلة فراق ، والذكر انجماع ، والعبد لا صبر له عن سيده . وأنشدوا : @ فلأَبكيَن على الفراق كما بكى سفا لفُرقةِ يوسفٍ يعقوبُ وَلأَدعُوَنَّكَ في الظلام كما دعا عند البلية رَبّةُ أيوبُ @@ وأنشدوا أيضاً في ذم الغفلة : @ غَفَلتَ عَنِ الأَيَّامِ يا أَخي فَانتَبِهْ وَشَمِّرْ فإن الموتَ لا شك واقعْ على أي شيءٍ هو حزنك قائم جنود المنايا تأتيك فانهض وسارعْ @@ قيل : إن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام ، فقال له : يا أستاذ ، أي الحسرات عندكم أعظم ؟ قال : حسرة الغافلين ، وأنشدوا : @ تيقظ إلى التِّذكارفالعمر قد مضى وحتى مَتَى ذا السكرُ من غفلة الهوى @@ ورأى ذو النون المصري بعض الصالحين في المنام ، فقال له : ما فعل الله بك ؟ قال : أوقفني بين يديه ، وقال : يا مدعي ، ادعيت محبتي ثم غفلت عني . وأنشدوا : @ تغافلت عن فهم الحقيقة بالهوى فلا أُذنٌ تُصغِي ولا عينٌ تَذرِفُ ضعفت ولكن في أمانيك قوةٌ فيا تابعَ اللذاتِ كم تتخلفُ @@ ورأى عبد الله بن مسلمة والده في النوم ، فقال له : يا أبت ، كيف ترى حالك ؟ فقال له : يا ولدي عشنا غافلين . وأنشدوا : @ غفلتَ وحادِي الموتِ يحدوك للبِلاَ وجسمك يا مغرور أصبح معتلا وحتى متى يا صاح بابك مغلق أتاك نذير الموت والعمر قد ولّى @@ وقيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه في ولده إلا من أجل خوفه عليه ، وغفلته عن استيداعه ربه ، ولو استودعه ربه لحفظه . لكن لا ينفع حذر من قدر . وكان أمر الله قدراً مقدوراً . ثم ذكر انصرافهم بيوسف ، وما كان من شأنه ، فقال : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } .