Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-83)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : نجياً : حال ، أي : انفردوا عن الناس مناجين . وإنما أفرده لأنه مصدر ، أو بزنته . ومن قبل ما : يحتمل أن تكون مزيدة ومصدرية مرفوعة بالابتداء ، أي : تفريطكم في يوسف واقع من قبل هذا . قاله ابن جزي . وفيه نظر فإن الظرف المقطوع لا يقع خبراً ، أوْ منصوبة بالعطف على مفعول تعلموا ، أي : لم تعلموا أخذ ميثاق أبيكم ، وتفريطكم في يوسف قبل هذا . يقول الحق جل جلاله : { فلما استيأسوا } أي يئسوا { منه } من يوسف أن يجيبهم إلى ما دعوه إليه من أخذ أحدهم مكان أخيهم ، { خَلَصُوا } أي : تخلصوا من الناس ، وانفردوا عنهم { نجيّاً } متناجين ، يناجي بعضهم بعضاً : كيف وقع للصاع ؟ وكيف يتخلصون من عهد أبيهم ؟ ثم فسر تلك المناجاة : { قال كبيرُهمْ } في السن ، وهو رُوَيْبيل ، أو في الرأي ، وهو شمعون ، وقيل يهوذا : { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله } عهداً وثيقاً ، وحلفتم له لتأتن بابنه إلا أن يُحاط بكم ؟ فكيف تصنعون معه ، { ومن قبلُ } هذا { فرطتم في يوسف } واعتذرتم بالأعذار الكاذبة ؟ { فلن أبرح الأرض } فلن أفارق أرض مصر { حتى يأذن لي أبي } في الرجوع ، { أو يحكم الله لي } : أو يقضي لي بالخروج منها ، أو بتخليص أخي منهم قهراً ، { وهو خيرُ الحاكمين } لأن حكمه لا يكون إلا بالحق . رُوي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه ، فقال رويبيل ، وقيل : يهوذا : أيها الملك ، لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ، ووقف شعر جسده ، فخرجت من ثيابه ، فقال يوسف لابنه الصغير ، واسمه نائل : قم إلى جنبه ومُسَّه ، فمسه ، وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم لا يسكن غضبه إلا إذا مسه أحد من آل يعقوب ، فلما مسه ولد يوسف عليه السلام سكن غضبه ، فقال : من هذا ؟ إن في هذا البلد لبذراً من بذر يعقوب . وقيل : إنهم هموا بالقتال ، وقال يهوذا لإخواته : تفرقوا في أسواق مصر ، وأنا أصيح صيحة تشق مراريهم ، فإذا سمعتم صوتي ، فاخربوا يميناً وشمالاً ، فلما غضب ، وأراد أن يصيح مسه ولد يوسف فسكن ، فلما لم يسمعوا صوته أتوا إليه فوجدوا قد سكن غضبه ، فقال : إن هنا بذراً من آل يعقوب . ثم قال لهم : { ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا أنّ ابنك سرق } على ما شهدنا من ظاهر الأمر ، { وما شهدْنا إلا بما علمنا } بأن رأينا الصاع استُخرج من وعائه . { وما كنا للغيب حافظين } أي ما كنا لباطن الأمر حافظين ، فلا ندري أسرق ، أو أحد دسه في وعائه ؟ أو ما كنا حين أعطيناك العهد حافظين للغيب ، عالمين بالقدر المغيب ، وأنك تصاب به كما أصبت بأخيه . { واسأل القرية التي كنا فيها } وهي القرية التي لحقهم فيها المنادي ، أي : أرسل إليهم عن القصة إن اتهمتنا . " { و } سل أيضاً { العيرَ } : أهل العير ، { التي أقبلنا فيها } ، والعير : جماعة الإبل . { وإنا لصادقون } فيما أخبرناك به . هذا تمام وصية كبيرهم . فلما رجعوا إلى أبيهم ، وقالوا له ما قال لهم كبيرهم . { قال } لهم أبوهم : { بل سَوَّلت لكم أنفسُكم أمراً } أي : زينت لكم أمراً فصنعتموه ، وإلا فمن أين يدري الملك أن السارق يُؤخذ في السرقة ، إذ ليست بشريعته ، { فصبر جميلٌ } أي : فأمري صبر جميل ، { عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً } بيوسف وبنيامين ، وأخيهما الذي بقي بمصر { إنه هو العليمُ } بحالي وحالهم ، { الحكيم } في تدبيره . رُوي أن عزرائيل دخل ذات يوم على يعقوب عليهما السلام فقال له يعقوب : جئت لقبض روحي ، أو لقبض روح أحد من أولادي وأهلي ؟ قال : إنما جئت زائراً ، فقال له : أقسمت عليك بالله إلا ما أخبرتني ، هل قبضت روح يوسف ؟ فقال : لا ، بل هو حي سَوِيّ ، وهو ملك وله خزائن ، وجنود وعبيد ، وعن قريب يجمع الله شملك به . هـ . الإشارة : فلما استيأس القلب من الدنيا ، والرجوع إليها ، وقطع يأسه من حظوظها وهواها ، خلصت له المناجاة وصفت له أنوار المشاهدات ، وأنواع المكالمات ، والقلب هو كبير الأعضاء وملكها ، فيقول لها : ألم تعلموا أن الله قد أخذ عليكم موثقاً ألا تعصوه ولا تُخالفوه ، ومن قبل هذا وهو زمان البطالة ، قد فرطتم في عبادته ، فلن أبرح أرض العبودية حتى يأذن لي في العروج إلى سماء شهود عظمة الربوبية ، أو يحكم لي بالوصال ، وهو خير الحاكمين . فإن وقعت من الجوارح هفوة فيقال لها : ارجعوا إلى أبيكم وهو القلب فقولوا : إن ابنك سرق ، أي : تعدى وأخذ ما ليس له من الهوى فيما ظهر لنا ، وما شهدنا إلا بما علمنا ، فرب معصية في الظاهر طاعة في الباطن ، واسأل البشرية التي كنا فيها والخواطر التي أقبلنا على المعصية فيها ، فيقول القلب : بل زينت لكم أنفسكم أمر الهوى ، فدواؤكم الصبر الجميل ، والتوبة للعظيم الجليل ، عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً ، فنصرفهم في طاعة الله ومرضاته . والله تعالى أعلم بأسرار حِكَم كتابه ، فعلم الإشارة يقبل مثل هذا وأكثر . وإياك والانتقاد فقد قالوا في باب الإشارة أرق من هذا وأغرب . وبالله التوفيق . ثم قال تعالى : { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } .