Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 11-13)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : وإذا : ظرف ، والعامل فيه : ما دل عليه الجواب ، أي : لا يُرد ما قضى إذا أراد إنفاده . وخوفاً وطعماً : منصوبان على العلة بتقدير المضاف ، أي : إرادة الخوف والطمع ليتحد الفاعل ، أو بتأويل : يجعلكم ترون البرق خوفاً وطمعاً . والثقال : نعت للسحاب ، وجَمَعَه لأن السحاب جنس بمعنى الجمع . وجملة : { وهم يجادلون } : إما استئنافية ، أو حال من الموصول ، والمِحال : المكر والخديعة . من مَحَل بفلان إذا كاده وعرَّضه للهلاك ، ومنه تَحَمَّلَ : إذا تكلَّف استعمال الحيلة ، فالميم أصلية ، ووزنه : فِعَال ، وقيل : مشتق من الحيلة ، فالميم زائدة ، ووزنه : مِفْعَل ، وأصله : مِحْيَل . يقول الحق جل جلاله : { إن الله لا يُغَيّر ما بِقومٍ } من النعم والعافية إلى النقمة والبلية { حتى يُغَيِّروا } هم { ما بأنفسهم } من الطاعة وترك المعصية ، إلى ارتكاب الذنوب . فلا يسلب النعم عن قوم إلا بارتكاب ذنب ، ولو من البعض إذا سكت الكل . { وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له } أي فلا رادّ له ولا معقب لحكمه ، { وما لهم من دونه من وَالٍ } أي : ليس لهم من يلي أمرهم ، ويدفع عنهم السوء الذي قضاه الله عليهم ، وأراد نزوله بهم لأن وقوع خلاف مراد الله تعالى محال . { هو الذي يُريكم البَرق خوفاً وطمعاً } أي : خوفاً مما ينشأ عن البرق من الصواعق والأمور الهائلة ، وطمعاً في نزول الغيث الذي يكون معه غالباً ، { ويُنشئ } أي : يخلق { السحاب } الغيم المسْحب ، { الثِّقال } : المثقل بالمطر الحاملة له ، { ويُسبحُ الرعدُ بحمده } أي : متلبساً بحمده . أو : يدل الرعد بنفسه على وحدانيته تعالى وكمال قدرته ملتبساً بالدلالة على كمال فضله ، ونزول رحمته . وعن ابن عباس رضي الله عنه : سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد فقال : " مَلَكٌ مَوَكَّلُ بالسَّحابِ ، له مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ السَّحَاب " . { و } تسبح أيضاً { الملائكة من خِيفَته } أي : من خوفه وإجلاله ، { ويُرسل الصواعقَ } نار تنزل من السماء وقت ضرب الرعد ، { فيصيب بها ما يشاء } فيهلكه { وهم يجادلون في الله } أي : الكفار ، حيث يكذبون رسوله فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة ، والتفرد بالألوهية ، وبعث الناس وحشرهم للمجازاة ، { وهو شديد المِحَال } أي : شديد المكر بأعدائه ، الذين أرادوا أن يمكروا بنبيه عليه الصلاة والسلام ـ . رُوي أن عامر بن الطُفَيل وأرْبَدَ بن ربيعة وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله ، فأخذ عامر بالمجادلة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغله ، ودار أرْبَدُ من خلفه ليضربه بالسيف ، فتنبه له الرسول عليه الصلاة والسلام وقال : " اللَّهُمَّ اكفنيهما بِمَا شِئتَ " ، فأرسل الله على أرْبد صاعقة فقتلته ، ورُمي عامرٌ بغدة ، فمات في بيت امرأة سلُوليَّة ، فكان يقول : غُدة كغُدَّة البعير ، وموت في بيت امرأة سلُولِيَّة ! فنزلت الآية من أولها ، وهو قوله : { له معقبات . … } إلخ ، على قول . الإشارة : من جريان حكمته تعالى في خلقه أنه لا يسلب النعم عنهم إلا بسوء أدبٍ منهم ، كلٌّ على قدر مقامه ، فالنعم الظاهرة يسلبها بترك الطاعة الظاهرة ، أو بالمخالفة الظاهرة ، والنعم الباطنة يسلبها بترك المراقبة الباطنة أو المشاهدة الباطنة ، فلكل مقام حقوق آداب فمن أَخَلَّ بحقوق مقام نقص له منه ، إلا أن يتوب . وقد يسيء الأدب فتؤخر العقوبة عنه ، فيظن أنه لم يُسْلب . ولو لم يكن إلا ترك المزيد . وقد يبعد ، وهو لا يشعر ، ولو لم يكن إلا وتركه وما يريد . كما في الحِكَم : " إن الله لا يغير ما في القلوب من أنوار الشهود والعيان ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من حسن الأدب بسوء الأدب " . وهذا ما لم يتحقق له مقام المحبوبية والتمكن مع الله في المعرفة . وإلا فالرعاية والعناية محفوفة بقلبه ، فقد يبلغ الولي إلى مقام يقال له : افعل ما شئت فقد غفرتُ لك ، كما وقع لأهل بدر ، وراجعٌ ما تقدم عند قوله : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [ الأنعام : 82 ] وقد يُغير الله قلب عبده اختباراً له ، فيسلبه حلاوة المعاملة أو المعرفة ، فإن هو اضطرب وتضرع ردَّ له حاله ، وإن لم يضطرب ولم يفزع إلى الله لم يرد له شيئاً . وإليه الإشارة بقوله : { وإذا اراد الله بقوم سوءاً فلا مَردَّ له … } الآية . هو الذي يُريكم بَرْقَ لمعان أنوار المشاهدة ، عند الاستشراف على الحضرة القدسية ، خوفاً من الرجوع لعدم إطاقة ذلك النور ، وطمعاً في الوصول إلى التمكين ، فلا يزال تترادف عليه البروق حتى يستمر ذلك كبرق متصل ، وهي أنوار المواجهة ، وينشئ سحاب الواردات ثقالاً بالعلوم والأسرار ، ويرسل الصواعق تصعق وجود الحس عن أسرار المعاني ، فيصيب بها من يشاء ممن سبقتَ له العناية . وأهل الإنكار والتكذيب بطريق الخصوص يجادلون في الله بتكذيب أوليائه وإنكار هذه الأنوار ، وهو شديد المحال ، فيمكر بهم ويتركهم في مقام البُعد ، وهم لا يشعرون . ومن جملة التغيير الذي يسلب النعم ويوجب العظم الركون إلى غير الله بالدعاء وغيره .