Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 7-10)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقلت وسارب : عطف على جملة من هو أي : ومن هو سارب ، ليكمل التقسيم أربعة : من أسر ، ومن جهر به ، ومن استخفى ، ومن سرب أي : برز . انظر ابن جزي . والمتعال : منقوص ، يجوز في الوقف عليه حذف الياء وإثباتها ، وكذلك : هادٍ ، وواقٍ ، وشبهه ، غير أن الراجح في المعرّف بأل الإثبات ، وفي المُنَوّنِ : الحذف . قال ابن مالك : @ وَحَذْفُ يَا المَنقُوصِ ذي التَّنوين ما لَمْ يُنْصَب : أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا وغَيْرُ ذِي التَّنْوين بالْعَكْسِ ، وفِي نَحْو مُرٍ : لُزُومُ رَدِّ اليَا اقْتُفِي @@ وأثبتها ابن كثير في الجميع ، ووافقه يعقوبُ في المُعرّف بأل ، وَحَذَفَها غيرهُ مطلقاً . يقول الحق جل جلاله : { ويقول الذين كفروا } من أهل مكة : { لولا } : هلا { أنزل عليه آيةٌ } أي : معجزة واضحة { من ربه } كما أوتي موسى وعيسى . ولم يعتدوا بالآيات المنزلة عليه كانشقاق القمر وانقياد الشجر ، وتسليم الحجر ، وأعظمها : القرآن العظيم . وذلك عناد منهم . قال تعالى : { إنما أنت مُنِذرٌ } مُرْسَل إليهم لتنذرهم كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات ، لا مما يُقترح عليك . { ولكل قوم هادٍ } رسول يهديهم إلى الحق والصواب ، مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم ففي زمن موسى عليه السلام كان الغالب عليهم السحر ، فأوتي بالعصا تنقلب حية ليبطل سحرهم ، وفي زمن عيسى عليه السلام كان الغالب عليهم الطب ، فأوتي إبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى الذي يعجزون عن مثله ، وفي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان الغالب عليهم البلاغة والفصاحة ، بما كانوا يتباهون ويتناضلون ، فأوتي القرآنَ العظيم ، أعجز ببلاغته البلغاء والفصحاء . أو : لكل قوم هاد ، يقدر على هدايتهم ، وهو الله تعالى ، أي : إنما عليك الإنذار ، والله هو الهادي لمن يشاء ، أو : ولكل قوم واعظ ومذكر من نَبِيِّ أو وَليّ . رُوي أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا المُنْذِرُ وَأنْتَ يا عَلِيُّ الهَادي " . ثم أردف ذلك ما يدل على كمال علمه وقدرته ، وشمول قضائه وقدره تنبيهاً على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه ، وإنما لم يُنزله لعلمه بأن اقتراحهم كان عناداً لا استرشاداً . أو ان وقت الإنزال لم يحضر ، فقال : { الله يعلمُ ما تحملُ كلُّ أنثى } هل هو ذكر أو أنثى ، أو تام أو ناقص ، أو حسن أو قبيح . وهو من الخمس التي اختص بها . { وما تَغِيضُ الأرحامُ وما تزداد } أي : ما تنقص في الجثة بمرض الجنين او إسقاطه ، وما تزداد بنمو الجنين إلى أمده أو أكثر . قال البيضاوي : مدة الحمل عندنا اربع سنين ، وخمس عند مالك ، وسنتان عند أبي حنيفة . رُوي أن الضحاك وُلد لسنتين ، وهرم بن حيان لأربع سنين . وأعلى عدده لا حد له . قلت : يعني مع تحققه وقيل : المراد نقصان دم الحيض وزيادته . هـ . { وكل شيء عنده بمقدار } : بقدر محدود ، ووقت مخصوص ، لا يجاوزه ، ولا ينقص عنه ، فالحق تعالى خص كل حادث بوقت مخصوص معين ، وهيأ له أسباباً تسوقه إليه على ما تقتضيه حكمته . { عالمُ الغيبِ والشهادة } أي : الغائب عن الحس ، والظاهر فيه { الكبيرُ } : العظيم الشأن ، الذي يصغر كل شيء دون عظمته وكبريائه ، { المتعال } : المستعلي عن سمة الحوادث ، أو : المستعلي بقدرته على كل شيء . { سواءٌ منكم من أسرَّ القولَ } في نفسه { ومن جهر به } لغيره ، { ومن هو مُستَخْف بالليل } : طالب للخفاء مستتراً بظلمة الليل ، { و } من هو { سارب بالنهار } أي : بارز فيه . فقد أحاط الله بذلك ، علماً وسمعاً وبصراً . فالآية مقرره لما قبلها من كمال علمه وشموله . { له معقباتٌ } أي : لمن أسر أو جهر ، أو استخفى أو برز ، { معقبات } : ملائكة تعتقب في حفظه ، اي : يعقب بعضُها بعضاً ، اثنان بالليل واثنان بالنهار ، أو : لأنهم يعقبون أقواله وافعاله فيكتبونها . أو : جماعة من الملائكة وَكَّلهم الله بحفظ الآدمي ، يعقب بعضُهم بعضاً ، وهو مناسب لقوله : { يحفظونه من أمر الله } أي : يحرسونه من الآفات التي تنزل من امر الله وإرادته . أو : يحفظونه من عقوبة الله وغضبه . إذا أذنب ذنباً أمهلوه واستغفروا له . أو : يراقبون أحواله من أجل أمر الله ، إذ أمرهم الله بذلك ، أو يكون صفة للمعقبات ، أي : له معقبات من أجل أمر الله ، حيث أمرهم بحفظه . وقيل : الضمير في { له } : يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، المتقدم في قوله : { إنما أنت منذر } ، فتكون نزلت فيمن اراد غدر النبي صلى الله عليه وسلم سراً ، على ما يأتي في الآية الآتية . والله تعالى أعلم . الإشارة : قد تقدم مراراً حالُ من طلب الكرامة من الأولياء ، وأنه جاهل بهم ، ولا يعرفهم ما دام يلتمس الكرامة منهم . وأيُّ كرامة أعظم من الاستقامة ، والمعرفة بالله ، على نعت الشهود والعيان ؟ ! . وقوله تعالى : { ولكل قوم هادٍ } أي : ولكل عصر عارف بالله ، يهدي الناس إلى حضرة الله ، وهم ورثة الهادي الأعظم والنبي الأفخم ، نبينا عليه الصلاة والسلام أولهم سيدنا علي كرم الله وجهه للحديث المتقدم ، لأنه أول من ظهر علم التصوف وأفشاه ، ثم أخذه عنه الحسن البصريّ وهذبه ، ثم حبيب العجمي ، ثم داود الطائي ، ثم معروف الكرخي ، ثم سري السقطي ، ثم إمام الطريقة : أبو القاسم الجنيد ، ثم انتشر في الأرض ، فلكل عصرٍ رجالٌ يحملون لواء الحقيقة ويهدون الناس إلى لباب الشريعة . وهم العارفون بالله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَبْعَثُ اللهُ عَلَى رأسِ كلِّ مائِة سنةٍ منْ يُجَددُ لهذِه الأمة أمرَ دِينِهَا " أي : يجدد الطريقة بعد دروسها ، ويحيي الحقيقة بعد خمود أنوارها ، ويُظهر الشريعة بعد خفاء أعلامها . وقد يكون واحداً ومتعدداً . وقد بعث الله في رأس هذه المائة الثالثة عشر ، أربعةً ، أحيا الله بهم الحقيقة ، وأظهر بهم أنوار الشريعة ، يمشون في الأرض بالنصيحة ، ويهدون الناس إلى رب العالمين ، والله ولي المتقين ، وشهرتهم تُغني عن تعيينهم ، وتقدم اثنان في العقود . وقوله تعالى : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } : ما تحمل كل نفس من العلوم ، وما تحمل كل روح من الأسرار . وما تغيض الأرحام ، أي : القلوب ، فقد تنقص أنوارها بمباشرة الأغيار ، وقد تزداد بالتفرغ أوصحبة العارفين الكبار . وكل شيء عنده بمقدار ، فالفتح له وقت معلوم ، وحد محدود ، والمراتب والمقامات مقسومة محدودة في الأزل ، كل أحد ياخذ ما قُسم له . وقوله تعالى : { سواء منكم من أسر القول … } إلخ ، فيه تحقيق المراقبة وتشديد المحاسبة على الخواطر والقلوب . والله تعالى أعلم . فإذا كان العبد على هداية من ربه أو نعمه فلا تزول عنه إلا من جهته .