Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-16)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { قل } يا محمد للمشركين : { من ربُّ السماوات والأرض } أي : خالقهما ، ومدبر أمرهما ، { قل } لهم : هو { الله } لا خالق سواه ، ولا مدبر غيره ، أجاب عنهم بذلك ، إذ لا جواب لهم سواه لأنهم يقرون به ، ولكنهم يشركون به ، فأبطل ذلك بقوله : { قل أفاتخذتم من دونه أولياءَ } أصناماً جامدة تتولونها بالمحبة والنصرة والدفع ، وهم جوامد { لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً } أي : لا يقدرون أن يجلبوا لأنفسهم نفعاً ، ولا يدفعون عنهم ضراً ، فكيف يقدرون أن ينفعوا غيرهم ممن عبدهم ، أو يدفعون عنه ضراً ؟ ! . وهو دليل على ضلالهم وفساد رأيهم ، في اتخاذهم الأصنامَ أولياء ، وجاء أن يشفعوا لهم . { قل هل يستوي الأعمى والبصيرُ } أي : الكافر الجاهل ، الذي عميت بصيرته بالجهل والشرك ، والمؤمن الموحد الذي انفتحت بصيرته بالإيمان والعلم . أو المعبود الغافل عن عبادة من عبده ، والعالم بأسرار عباده . { أم هل تستوي الظلماتُ والنور } الكفر والإيمان ، أو الجهل والعلم . { أم } : بل { جعلوا لله شركاءَ } من صفتهم ، { خَلقوا كخلقه فتشابه } التبس { الخلقُ عليهم } فلم يدروا ما خلق الله مما خلق أصنامُهم ، وهذا كله داخل الإنكار . والمعنى : هل خلق شركاؤهم خلقاً كخلق الله ، فالتبس الخلق عليهم ، فلم يُميزوا خلق الله من خلق أصنامهم ، حتى ظنوا أنها تستحق أن تُعبد مع الله ، أو يُطلب منها حوائج دون الله ؟ ! . ثم أبطل ذلك بقوله : { قل اللَّهُ خالقُ كل شيء } ، قال البيضاوي : والمعنى أنهم ما اتخذوا له شركاء خالقين مثله حتى يتشابه الخلق عليهم ، فيقولوا : هؤلاء خلقوا كما خلق الله ، واستحقوا العبادة كما استحقها ، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق ، فضلاً عما يقدر عليه الخالق . هـ . { قل اللهُ خالق كل شيء } لا خالق غيره فيشاركه في العبادة . جعل الخلق موجب الخلق مُوجَب العبادة ، ولازم استحقاقها ، ثم نفاه عما سواه ليتحقق انفراده بالربوبية والقهرية كما أفاد قوله : { وهو الواحدُ } في الألوهية ، { القهار } بتصريف أحكام الربوبية . هـ . الإشارة : إذا علِم العبدُ أن ربه قائم بأمر خلقه ، مدبر لشأن ملكه ، من عرشه إلى فرشه ، جعل حوائجه كلها وقْفاً عليه ، وانحاش بكليته إليه ، ورفع همته عن خلقه ، إذ ليس بيدهم ضر ولا نفع ، ولا جلب ولا دفع ، بل هم عاجزون عن إصلاح أنفسهم ، فكيف يقدرون أن ينفعوا غيرهم ؟ ! وفي الحكم العطائية : " لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فيكف يرفع إلى غيره ما كان هو له واضعاً ، من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه : فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعاً " . وقال بعض العارفين من المُكَاشَفين رضي الله عنهم ـ : قيل لي في نوم كاليقظة ، أو يقظة كالنوم : لا تُبْديَنّ فاقة فأضَاعفها عليك ، مكافأة لسوء أدبك ، وخروجك عن حد عبوديتك . إنما ابتليتك بالفاقة لتفزع بها إليَّ ، وتتضرع بها لَديَّ ، وتتوكل فيها عليَّ . سبكتك بالفاقة لتصير ذهباً خالصاً ، فلا تزيفن بعد السبك ، وَسَمْتُكَ بالفاقة وحكمت لنفسي بالغنى ، فإن وصلتها بي وصلتك بالغنى ، وإن وصلتها بغيري قطعت عنك مواد معونتي ، وحسمت أسبابك من أسبابي ، طرداً لك عن بابي . فمن وكلتُه إليَّ ملك ، ومن وكلته إليه هلك . هـ . وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : آيست من نفع نفسي لنفسي ، فكيف لا آيس من نفع غيري لها ، ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجو لنفسي ؟ . هـ . فالبصير من اعتمد في أموره على مولاه . والأعمى من ركن في حوائجه إلى سواه . فأنوار التفويض والتسليم لا تستوي مع ظلمات الشرك والتدبير . { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور } . بالله التوفيق . ثم ضرب لنور العلم مع ظلمات الجهل ، فقال : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ … }