Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الله : مبتدأ ، الذي رَفَعَ : خبره ، ويجوز أن يكون الموصول صفة ، والخبر : يُدبر الأمر ، و { عَمَدٍ } : اسم جمع عمود ، وقياس جمعه : عُمُد كرسول ورُسُل ، وشهاب وشُهُب ، وليس جمعاً خلافاً لأبي عبيد . قاله ابن عطية . وقال البيضاوي : جمع عِمَاد ، كإهاب وأهب . وجملة : ترونها : إما حال ، أو استئنافية فالضمير للسماوات ، وإما صفة لعَمد فالضمير لها ، أي : ليس لها عَمد مرئية ، فيقتضي بالمفهوم أن لها عمداً لا تُرى . وقيل : إن عمدها جبل قاف المحيط بالدنيا . والجمهور : أنه لا عمد لها البتة . فالمراد نفي العمد ، ونفي رؤيتها . قاله ابن جزي . يقول الحق جل جلاله : مستدلاً على وجوده ، وكمال قدرته : { اللهُ الذي رفعَ السماواتِ } فوقكم كالسقف المرفوع { بغير عَمَدٍ } : أساطين ، بل بقدرة أزلية ، { ترونها } مرفوعة فوقكم . أو بغير عَمَد مرئية ، بل بعمد خفية ، وهي : أسرار الذات العلية إذ لا فاعل سواه . { ثم استوى على العرش } استواء استيلاء وإحاطة ، حتى صار العرشُ غيباً في إحاطة قهريته وأسرار ذاته . وقد كانت العرب تجعل لملوكها سريراً يجلسون عليه لتدبير المملكة ، فخاطبنا الحق تعالى بقدر ما نفهم ، ولذلك رتب عليه قوله : { وسخَّر الشمسَ والقمر } لأن هذا من تدبير ملكه ، أي : ذللهما لما أراد منهما ، كالحركة المستمرة على حد من السرعة لينتفع بهما عباده في معاشهم ومعالم دينهم . { كلٌّ } منهما { يجري لأجَلٍ مُسمى } : لمدة معينة تتم فيها أدواره ، أو لغاية مضروبة ينقطع فيها سيرهما وهي يوم القيامة ، حين تكوّر الشمس والقمر . { يُدبر الأمرَ } أمر ملكه من الإيجاد والإعدام ، والإحياء والإماتة ، وغير ذلك ، { يُفصل الآياتِ } : ينزلها ويُبين معانيها مفصلة ، أو يُحدث الدلائل واحداً بعد واحدٍ { لعلكم بلقاء ربكم تُوقنون } : لكي تتفكروا فيها ، وتتحقوا كمال قدرته فتعلموا أنّ مَنْ قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قادر على الإعادة والجزاء . الإشلرة : الله الذي رفع سماوات الأرواح ، وزينها بنجوم العلم وقمر التوحيد ، وأشرق عليها شموس العرفان وأسرار التفريد ، ثم استوى بأسرار ذاته وأنوار صفاته على العرش ، وهو قلب العارف لأنه سرير المعرفة ، ومحل بيت الرب ، وسخر شمس المعرفة وقمر التوحيد ، يجريان بالترقي إلى محل التمكين ، وهو الأجل المسمى لهما ، يدبر أمر السير والترقي ، ويُفصِّل دلائل الطريق الموصلة إلى عين التحقيق لعلكم بالوصال إلى ربكم توقنون ، حين يكون ذوقاً وكشفاً ، والله تعالى أعلم .