Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 31-31)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جواب لو : محذوف ، أي : لم يؤمنوا لسابق الشقاء ، أو : لكان هذا القرآن ، وسيأتي بيانه . يقول الحق جل جلاله : { ولو أن قرآناً } أنزل عليك ، من صفته : { سُيِّرت به الجبالُ } أي : زعزعت عن مقارها ، { أو قُطعَت به الأرضُ } : تصدعت وتشققت من خشية الله عند قراءته ، أو : تشققت فجعلت أنهاراً وعيوناً ، { أو كُلِّمَ به الموتى } فتجيب من قبورها جهراً ، كما آمنوا لعنادهم وغلبة الحسد عليهم . فهذا كقوله تعالى { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [ الأنعام : 111 ] ، أو : ولو أن قرآناً بهذه الصفة : من تسيير الجبال ، وتقطيع الأرض ، وتكليم الموتى ، لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإعجاز ، والنهاية في التذكير والإنذار ، والأرل أرجح لمناسبة ما قبله وما بعده . رُوي أن قريشاً قالوا : يا محمد ، إنْ سَرَّك أن نتبعك فَسَيِّرْ بقرآنك الجبالَ عن مكة ، حتى تتسع لنا فنتخذها بساتين وقطائع . أو سخر لنا به الريح لنركبها ، فَنَتَّجِرَ بها إلى الشام . أو ابعث لنا قُصَيَّ بن كلاب فإنه شيخَ صِدْقٍ ، أو غيره من آبائنا ، فيكلمونا فيك ، ويشهدوا لك بما تقول . فنزلت الآية . { بل لله الأمرُ جميعاً } ليس لي منه شيء ، فهو القادر على الإتيان بما اقترحتموه من الآيات ، إلا أن الإرادة لم تتعلق بذلك لأنه علم أنه لا ينجع فيكم شيء من ذلك لفرط عنادكم ، فإذا رأيتموها قلتم : { إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [ الحجر : 15 ] ، وبيَّن ذلك قوله : { أفلم ييأس الذين آمنوا } من إيمانهم مع رأوا من أحوالهم ، وفرط عنادهم ، علماً منهم { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً } ، أو : { أفلم ييأس } أي : يعلم { الذين آمنوا } أن الهداية بيد الله ، ومشيئته ، فلو شاء لهدى الناس جميعاً ، وكون " ييأس " بمعنى " علم " : لغة هوازن فقد علموا بما أعلمهم أن الله لا يهدي من يضل . وقد قرأ علي وابن عباس وجماعة : " أفلم يتبين الذين آمنوا " ، وهو يقوي تفسير ييأس بيعلم . قال البيضاوي : وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم ، لأنه مُسَبِّبٌ عن العلم ، فإن الميئوس منه لا يكون إلا معلوماً . ولذلك علّقه بقوله : { أن لو يشاء اللهُ لهدى الناس جميعاً } فإن معناه نفي هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم ، وهو على الأول يتعلق بمحذوف تقديره : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمانهم علماً منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً . أو : بآمنوا ، على حذف الجار ، أي : بأن الله … الخ . هـ . { ولا يزال الذين كفروا } من قريش والعرب ، { تُصيبُهم بما صنعوا } من الكفر والمعاصي ، { قارِعةٌ } داهية تقرعهم تقلقهم ، وتصيبهم في أنفسهم وأولادهم وأموالهم . أو غزوات المسلمين إليهم ، إمَّا أن تنزل بهم { أو تَحُلُّ قريباً من دارهم } فيفزعون منها وتتطاير إليهم شررها . وقيل : نزلت في كفار مكة ، فإنهم لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لا يزال يبعث السرايا ، فتُغير حواليهم وتختطف أموالهم . وعلى هذا يجوز أن يكون ضمير { تَحُل } خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم أي : تحل بجيشك قريباً من دراهم ، { حتى يأتي وعد الله } بالموت أو بالبعث أو فتح مكة . { إنَّ الله لا يُخلف الميعاد } لامتناع الخلف في وعده تعالى . الإشارة : لو أن عارفاً بالله سيَّر الجبال عن أماكنها وفجر الأرض عيوناً ، وكلمه الموتى لما آمن بخصوصيته إلا من سبقت له عناية الخصوصية . فلو شاء الله لهدى الناس إلى معرفته جميعاً . لكن الحكمة اقتضت وجود الخلاف ، قال تعالى : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [ هود : 118 ] ، فمن لم يهتد إلى معرفتهم لا يزال تطرقه قوارع الشكوك والأوهام ، وخواطر السوء ، أو تحل قريباً من قلبه ، إن لم تتمكن فيه ، حتى يأتي وعد الله بحضور موته ، فقد يتداركه اللطف والرعاية ، وقد يتسع الخرق عليه فيموت على الشك ، والعياذ بالله . بخلاف من صَحِبَ أهل الطمأنينة واليقين ، ولا يموت إلا على اليقين لأن همة الشيوخ قد حَلَّقَتْ عليه ، والعناية قد حفت به . والله ولي المتقين . قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : والله لا يكون الشيخ شيخاً حتى تكون يده مع الفقير أينما ذهب ، والمراد باليد : الهمة والحفظ . ووقت الموت أولى بالحضور ، وقد شاهدنا ذلك من إخواننا ممن حضره الموت منهم ، أخبر أنه يرى شيخه حاضراً معه . فللَّهِ الحمد والمنة .