Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-27)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : كلمة طيبة : يجوز أن يكون مفعولاً بمحذوف ، أي : جعل كلمة ، وتكون الجملة تفسيرية لضرب المثل ، وأن تكون كلمة : بدلاً من مَثَلاً ، وشجرة : صفة لها ، أو خبر عن مضمر ، أي : هي شجرة . يقول الحق جل جلاله : { ألم تَرَ } يا محمد ، أو أيها السامع ، { كيف ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً } لأهل " لا إله إلا الله " ، وهم : أهل التوحيد ، الذين رسخ التوحيد في قلوبهم ، وعبّروا عنه بألسنتهم . فمثال الكلمة الطيبة التي نطقوا بها ، ورسخ معناها في قلوبهم { كشجرةٍ طيبةٍ } : كالنخلة مثلاً ، { أصلُها ثابت } في الأرض ، غائص بعروقه فيها ، { وفروعها في السماء } أي : أعلاها . أي : يريد الجنس ، أي : فروعها وأفنانها في السماء ، { تُؤتي أًكُلُها } : تُعطى ما يؤكل من ثمرها { كل حين } وقَّته الله لإثمارها ، فقيل : سنة ، وبه قال ابن عباس وجماعة من المفسرين والفقهاء ، واستدلوا بها على من حلف لا يُكلم أخاه حيناً لزمه سنة ، وعن ابن عباس أيضاً والضحاك وغيرهما : { كل حين } أي : غدوة وعشية ، ومتى أريد جناها ، قلت : وهذا هو الظاهر . واخْتُلف في هذه الشجرة الطيبة ، التي ضرب الله بها المثل لكلمة الإخلاص ، فقيل : غير معينة ، وقيل : النخلة ، وبه قال الجمهور . قال الشطيبي : وقيل : جوزة الهند ، فإنها ثابتة الأصل ، متصلة النفع ، يكون طعمها أولاً لبناً ، ثم عسلاً ، ثم تنعقد طعاماً ، ويصنع بلبنها ما يصنع بلبن المواشي ، ثم يكون كالخل ، ثم كالخمر ، ثم كالزيت ، كل هذا قبل عقد الطعم ، وأما النخلة فهي : ستة أشهر طلع رخص ، وستة أشهر رطب طيب ، فنفعه متصل . وقال ابو حنيفة : إنه ببلاد اليمن نوعٌ من التمر ، يقال له : الباهين ، يطعم السنة كلها . هـ . قلت : وقد ذكر ابن مقشب جوزة الهند ، ووصفها كما قال الشطيبي ، وقوله : " في النخلة ستة أشهر … " الخ ، فيه نظر ، وصوابه : ثلاثة ، فإن المعاينة ترده . والمشبه بهذه الشجرة : المؤمن الكامل الدائم نفعه ، المتصل علمه ، أوقاته معمورة بذكر الله ، أو تذكير عباد الله ، وحركاته وسكناته في طاعة الله ، حيث أراد بها وجه الله ، فكل حين وساعة يصعد منه عمل إلى الله . ثم قال تعالى : { ويضربُ الله الأمثال للناس لَعلهم يتذكرون } لأن في ضربها زيادة إيضاح وإفهام وتذكير فإنه تصوير للمعاني وتقريبها من الحس ، لتفهم سريعاً . ثم ذكر ضدها فقال : { وَمَثَلُ كلمة خبيثة } كلمة الكفر { كشجرة } كمثل شجرة { خبيثة } كالحنظلة مثلاً ، { اجْتُثتْ } : استؤصلت ، وأُخذت جثتها ، وقُلعت { من فوق الأرض } ، أي : قطعت من فوق الأرض لأن عروقها قريبة منه ، { ما لها من قرارٍ } استقرار . وهذا في مقابلة قوله : { أصلها ثابت } . قال البيضاوي : واختُلف في الكلمة والشجرة ففُسرت الكلمة الطيبة بكلمة التوحيد أي : لا إله إلا الله ، ودعوة الإسلام والقرآن ، والكلمة الخبيثة بالإشراك بالله تعالى ، والدعاء إلى الكفر ، وتكذيب الحق . ولعل المراد بهما ما يعم ذلك ، فالكلمة الطيبة : ما أعرب عن حق ، أو دعا الى صلاح ، والكلمة الخبيثة : ما كان على خلاف ذلك ، وفُسرت الشجرة الطيبة بالنخلة ، ورُوي ذلك ، مرفوعاً ، وبشجرة في الجنة ، والخبيثة بالحنظلة ، ولعل المراد بهما أيضاً ما يعم ذلك . هـ . { يُثبت اللهُ الذين آمنوا بالقول الثابت } وهو : لا إله إلا الله ، أو كل ما يثبت في القلب ، ويتمكن فيه من الحق ، بالحجة الواضحة ، { في الحياة الدنيا } مدة حياتهم ، فلا يزالون إذا افتتنوا في حياتهم ، أو عند موتهم ، وهي حسن الخاتمة ، { وفي الآخرة } عند السؤال ، فلا يتلعثمون إذا سُئلوا عن معتقدهم في القبر ، وعند الموقف ، فلا تدهشهم أهوال القيامة . رُوي أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال : " ثُمَّ تُعَادُ رُوحه في جَسَدِهِ ، فَيَأتيهِ مَلَكانِ ، فيُجْلِسَانهِ فِي قَبْرهِ ، ويَقُولاَنِ لَه : مَنْ رَبُّكَ ، وَمَا دِينُكَ ، وَمَنْ نَبِيكَ ؟ فيقول : رَبي الله ، ودِيني الإسْلاَمُ ، ونَبيي محمد صلى الله عليه وسلم . فينادي مُنَادٍ من السَّماءِ : أنْ صَدَقَ عَبْدِي " فذلك قوله تعالى : { يُثَبِتُ اللهُ الذينَ آَمنُوا بِالقَولِ الثابتِ } . قلت : والقدرة صالحة لهذا كله . قال الغزالي : هو أشبه شيء بحال النائم . { ويُضِلُّ اللهُ الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتقليد ، فلا يهتدون إلى الحق ، ولا يثبتون في مواقف الفتن . { ويفعلُ الله ما يشاء } من تثبيت بعض ، وإضلال آخرين ، من غير اعتراض عليه ، ولا تعقيب لحكمه . الإشارة : الكلمة الطيبة ، هي كلمة التوحيد ، والشجرة الطيبة هي شجرة الإيمان ، وأصلها هو : التوحيد الثابت في القلب ، وفروعها : الفرائض والواجبات ، وأغصانها : السنن المؤكدات ، وأوراقها : المندوبات والمستحبات ، وأزهارها : الأحوال والمقامات ، وأذواقها : الوجدان وحلاوة المعاملات ، وانتهاء طيب أثمارها : العلوم وكشف أسرار الذات ، الذي هو مقام الإحسان ، وهي معرفة الشهود والعيان . فمن لم يبلغ هذا المقام لم يجْن ثمرة شجرة إيمانه . ومن نقص شيئاً من هذه الفروع نقص بقدرها من شجرة إيمانه ، إما من فروعها ، أو من أغصانها ، أو من ورقها ، أو من حلاوة أذوقها ، أو مِنْ عَرْف أزهارها ، أو من طيب ثمرتها . ومعلوم أن الشجرة إذا نبتت بنفسها في الخلاء ، ولم تُلَقَّح كانت ذَكَّاره ، تورق ولا ثمر ، فهي شجرة إيمان من لا شيخ له يصلح للتربية ، فإن الفروع والأوراق كثيرة ، والثمار ضعيفة ، أيُّ ريح هاج عليها أسقطها . وراجع ما تقدم في إشارة قوله تعالى : { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } [ المائدة : 35 ] . وبالله التوفيق . ثم ذكر وبال من أنكر هذه النعمة