Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 28-30)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ألم تَرَ } يا محمد { إلى الذين بدَّلوا } شكر { نعمةَ الله كفراً } بأن وضعوا الكفر مكان الشكر ، أو : بدلوا نفس النعمة كفراً فإنهم لما كفروها سُلبت منهم ، فصاروا تاركين لها مُحصلين للكفر مكانها كأهل مكة ، خلقهم الله من نسل إسماعيل عليه السلام ، وأسكنهم حَرَمه ، وجعلهم خُدَّام بيته ، وَوَسَّع عليهم أبواب رزقه ، وعطف عليهم قلوب خلقه ، وتمم شرفهم ببعْثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فكفروا ذلك ، فقحطوا ، وجاعوا حتى أكلوا الميتة ، وأُسروا وقُتلوا يوم بدر ، وصاروا كذلك مسلوبي النعمة ، موصوفين بالكفر وعن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما ـ : أنها نزلت في الأفجريْن من قريش : بني المغيرة ، وبني أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين . { وأحَلَّوا قومَهم } : من أطاعهم في الكفر والتبديل ، أي : أنزلوهم { دارَ البوار } : دار الهلاك ، بحملهم على الكفر معهم ، ثم فسرهم بقوله : { جهنم يصلونها } : يحترقون فيها ، و { بئس القرارُ } وبئس المستقر جهنم . ثم بيَّن كفرهم ، فقال : { وجعلوا لله أنداداً } : أشباهاً وأمثالاً ، يعبدونها معه ، { ليُضِلوا عن سبيله } عن طريق التوحيد ، أي : لتكون عاقبتهم الضلال أو الإضلال ، على القراءتين ، أي : ليضلوا في أنفسهم ، أو ليضلوا غيرهم . وليس الضلال كان غرضهم في اتخاذ الأنداد ، ولكن لمَّا كان نتيجته وعاقبته جُعل كالغرض . { قل تمتعوا } بشهواتكم الدنيوية ، فإنها فانية ، أو بعبادتكم الأوثان ، فإنها من قبيل الهوى والأمر للتهديد . وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدد به ، وان الأمرين كائنان لا محالة ، فلا بد من وقوع تمتعهم ، ولا بد من إفضائهم إلى النار . ولذلك علقه بقوله : { فإنَّ مصيرَكم إلى النار } ، وأن المخاطب ، لانهماكه فيه ، كالمأمور به من آمر مطاع . قاله البيضاوي . الإشارة : ظهور أهل التربية في زمان الغفلة والجهل نعمة عظيمةُ ، لكن لا يعرفها إلا من سقط عليها ، ومن أنكرها ، وسدَّ بابها ، وعوَّق الناس عن الدخول في طريقها ، فقد بدل نعمة الله كفراً ، وأحلَّ الناس من تبعه دار البوار ، وهي : الإقبال على الدنيا ، والانهماك في الغفلة ، وخراب الباطن من نور اليقين ، وكثرة الخواطر والوساوس ، والحرص والجزع والهلع ، وغير ذلك من أمراض القلوب . وأيُّ عذاب المؤمن أشد من هذا في الدنيا ؟ ويسقط في الآخرة عن درجة المقربين ، ومن لم يصحب أهل التوحيد الخالص لا يخلو من عبادة أنداد وأشباه بمحبته لهم والركون إليهم . ومن أحب شيئاً فهو عبد له . قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ذات يوم : إنا لا نحب إلا الله ، ولا نحب معه شيئاً سواه . فقال له بعض الحاضرين : قال جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النفس مجبولة على حب من أحسن إليها " فقال له الشيخ : إنا لا نرى الإحسان إلا من الله ، ولا نرى معه غيره . هـ . بالمعنى . ثمَّ ذكر ضد أهل الشرك