Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : رُب : حرف جر ، تدل على التقليل غالباً . وفيها ثماني لغات : التخفيف ، والتثقيل مع ضم الراء وفتحها بالتاء ، وتدخل عليها ما فتكفها عن العمل ، ويجوز دخولها حينئذٍ على الفعل ، ويكون ماضياً ، أو منزلاً منزلته في تحقيق وقوعه ، وقد تدخل على الجملة الاسمية كقول الشاعر : @ رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهمْ وَعَناجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ @@ وجملة : إلا ولها : صفة لقرية ، والأصل ألا يدخلها الواو ، كقوله { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } [ الشعراء : 208 ] ، لكن لما شابهت صورة الحال دخلت عليها تأكيداً لوصفها بالموصوف . يقول الحق جل جلاله : أيها الرسول المعظم ، { تلك } الآيات التي تتلوها هي { آياتُ الكتاب } الذي أنزلناه إليك ، { و } آيات { قرآنٍ } عربي { مبينٍ } واضح البيان ، مبيناً للرشد والصواب ، فمن تمسك به وآمن بما فيه كان من المسلمين الناجين ، ومن كان تنكب عنه وكفر به كان من الكافرين الهالكين ، وسيندم حين لا ينفع الندم ، كما قال تعالى : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } : متمسكين بما فيه حتى يكونوا من الناجين . وهذا التمني قيل : يكون عند الموت ، وقيل : في القيامة ، وقيل : إذا خرج العصاة من النار ، وهذا أرجح لحديثٍ في ذلك . ومعنى التقليل فيه : أنه تدهشهم أهوال يوم القيامة ، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنوا أن لو كانوا مسلمين . قال تعالى : { ذرهم } : دعهم اليوم { يأكلوا ويتمتعوا } بدنياهم { ويُلهِهمُ الأملُ } : ويشغلهم توثقهم بطول الأعمار ، واستقامة الأحوال ، عن الاستعداد للمعاد ، { فسوف يعلمون } سوء صنيعهم إذا عاينوا جزءؤهم . والأمل للتهديد ، والغرض : حصول الإياس من إيمانهم ، والإيذان بأنهم من أهل الخذلان ، وأنَّ نصحهم بعد هذا تعب بلا فائدة . وفيه إلزام الحجة لهم . وفيه التحذير عن إيثار التنعم ، وما يؤدي إليه طول الأمل من الهلاك عاجلاً وآجلاً ، ولذلك قال تعالى بعُد : { وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم } أي : أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ ، { ما تسبق من أمة أجلها } أي : أجَل هلاكها ، { وما يستأخرون } عنه ساعة ، وتذكير الضمير في { يستأخرون } للحمل على المعنى ، لأن الأمة واقعة على الناس . والله تعالى أعلم . الإشارة : انظر هذا التهديد العظيم ، والخطر الجسيم لمن تمتع بدنياه ، وعكف على حظوظه وهواه : { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون } . ولله در القائل :