Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { أتى أمرُ الله } أي : البعث والحساب . وعبّر بالماضي لتحقق وقوعه ، أو : ثبت أمره وقضاؤه ، وقد جفّ القلم بما يكون لا عن سؤال واستعجال ، وتدبير من الخلق ، ولو كان كذلك لنافى انفراده بتدبير ملكه ، ولذلك نزّه نفسه بقوله : { سبحانه وتعالى عما يشركون } . أو : إهلاك الله إياهم يوم بدر ، وكانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول من قيام الساعة ، وإهلاكهم ونصره عليهم ، استهزاء وتكذيباً ولذلك قال : { فلا تستعجلوه } ، والمعنى : أن الأمر الموعود به بمنزلة الماضي ، لتحقّق وقوعه من حيث إنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه ، فإنه لا خير لكم فيه ، ولا خلاص لكم منه . ورُوِيَ لمّا نزل قوله : { أتى أمر الله } ، وثب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائماً ، ورفع الناس رؤوسهم ، فلما قال : { فلا تستعجلوه } ، سكن . وكان المشركون يقولون : إن صح ما يقول محمد من قيام الساعة ، فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا ، فقال تعالى : { سبحانه وتعالى عما يشركون } أي : تنزه وجلَّ عن أن يكون له شريك ، فيدفع ما أراد بهم . هـ . وقرأ الأخوان بالخطاب ، على وفق قوله : { فلا تستعجلوه } ، والباقون بالغيب ، على تلوين الخطاب ، أو على أن الخطاب للمؤمنين ، أي : أتى أمر الله أيها المؤمنون فلا تستعجلوه ، سبحانه وتعالى عما يشركه به المشركون . أو : لهم ولغيرهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا أشرق نورُ اليقين في صميم القلوب تحقق وقوع ما وعد الله به من أمر الغيوب ، فصار الماضي آتياً ، والمستقبل واقعًا . وفي الحكم : " لو أشرق نور اليقين في قلبك ، لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها ، ولرأيت الدنيا وكسفةُ الفناء ظاهرةٌ عليها " . وكذلك المقادير المستقبلة والمواعيد الغيبية ، كلها عند أهل اليقين محققة الوقوع ، واجبة الحصول ، ينتظرون وقوعها في مواقيتها ، شيئًا فشيئًا ، ويتلقونها بالمعرفة والأدب فإن كانت جلالية فبالرضى والتسليم ، وإن كانت جمالية فبالحمد والشكر ، هكذا نظرهم دائمًا إلى ما يبرز من عنصر القدرة ، ليس لهم وقت دون ما هم فيه ، ولا أمل دون ما أقامهم الحق تعالى فيه ، ليس لهم عن أنفسهم إخبار ، ولا مع غير الله قرار ، ولا يستعجلون ما تأخر وقوعه من أقداره ، ولا يشركون مع الله في تدبيره واختياره . قد هجم عليهم اليقين ، فهم ، في عموم أوقاتهم ، مستغرقون في شهود المحبوب ، غائبون عن كل مرغوب ومطلوب ، سوى شهود وجه المحبوب ، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه . آمين . وسبب وجود هذا في قلوبهم حياة روحهم بالإيمان التام