Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أن أنذروا } : مفسرة ، بمعنى أي لأن الوحي فيه معنى القول . أو مصدرية في موضع الجر ، بدلاً من الروح ، أو النصب بنزع الخافض ، أو مخففة من الثقيلة . وقوله : { لا إله إلا أنا } جرى على المعنى ، ولم يجر على اللفظ ، وإلا لقال : لا إله إلا الله . انظر ابن عطية . قال المحشى الفاسي : وسر ذلك هنا : التصريح بالمقصود ، وأن الإله الواحد هو المتكلم لا غيره ، كما قيل في قوله : { إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ } [ النّحل : 51 ] ، أي : ولم يقل : فإياه فارهبوا ، بل نقل الكلام من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب ، وتصريحًا بالمقصود ، كأنه قال : فأنا ذلك الإله الواحد ، فإياي فارهبون لا غير . هـ . قلت : وكأنه قال هنا : يُنزل الملائكةَ بالوحي أن أَعلِموا أنه لا يُعبد إلا إله واحد ، وأنا ذلك الواحد . يقول الحقّ جلّ جلاله : تحقيقًا لِمَا وعدهم به ، وأن ذلك الوعد ، مع دنوه وقربه بالوحي ، فلا خلف فيه ، فقال : { يُنَزِّلُ الملائكةَ } أي : جبريل ، جمعه تعظيمًا ، أو : لأنه قد ينزل معه غيره من الملائكة ، فيحضرون الوحي حُرّسا له . أو : لأنه قد ينزل بالوحي غيره من الملائكة ، كما في صحيح مسلم : " إن سورة الحمد نزل بها ملك لم ينزل إلى الأرض قبل ذلك " وقال عليه الصلاة والسلام : " إن إسرافيل وُكِّلَ بي في ثلاث سنين ، فكان يأتيني بالكلمة والكلمتين ، ثم كان جبريل يأتيني بالقرآن في كل وقت " ورُوي أن خالد بن سنان كان نبيًا ، وكان يأتيه بالوحي مالك خازن النار ، وكان بعد عيسى عليه السلام ، ولم يبق في النبوة إلا عشرين يومًا ، ثم مات ، فلقصر مدته لم يُعد نبيًا ، بعد عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانت فترة خمسمائة عام . وذكر ابن العربي أن ذا القرنين كان ينزل عليه ملك ، يقال له : رفائيل ، فكان يلقي إليه الوحي ، ويطوي له الأرض . هكذا نقل الشطيبي عنه في اللباب ، فانظره . وقوله : { بالروح } أي : بالوحي ، أو القرآن فإنه سبب حياة القلوب والأرواح الميتة بالجهل والحجاب ، أو سبب حياة الدين بعد موته واندراسه بالكفر فإن الوحي يقوم في الدين مقام الروح من الجسد . يُنزل ذلك { من أمره } أي : من أجل أمره وبيان شأنه ، أو بأمره وإذنه ، { على مَن يشاء من عباده } أن يصطفيه للرسالة ، قائلاً لهم : { أنْ أنذروا } : خوفوا أهل الشرك ، أو أعْلِموا عبادي { أنه } أي : الأمر والشأن ، { لا إله إلا أنا فاتقون } بترك الكفر والمعاصي ، أي : اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية ، بأن تُوحدوه ، وتطيعوه فيما أمر به . قال البيضاوي : والآية تدل على أن نزول الوحي بواسطة الملائكة ، وأن حاصله : التنبيه على التوحيد ، الذي هو القوة العلمية ، والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمالات القوة العملية . وأن النبوة عطائية - أي : لا كسبية - ، والآيات التي بعدها دليل على وحدانيته ، من حيث إنها تدل على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه ، على وفق الحكمة والمصلحة ، ولو كان له شريك لقَدَرَ على ذلك ، فيلزم التمانع . هـ . الإشارة : قوله تعالى : { بالروح } : قال الورتجبي : الوحي الإلهي ، سماه بالروح لأن كلامه صدر من ذاته ، وهو حياة قلوب الصديقين من المكلَّمين والمحدَّثين ، وهو سبب حياة قلوب المؤمنين ، يحييهم بعلمه من موت الجهالة . هـ . وقال القشيري في قوله : { على مَن يشاء من عباده } : على الأنبياء بالوحي والرسالة ، وعلى أسرار أرباب التوحيد ، وهم المُحَدَّثُون بالتعريف والعلم . فالتعريف للأولياء من حيث الإلهام والخواطر ، أي : الواردات . وإنزال الملائكة على قلوبهم غير ممنوعٍ ، ولكنهم لا يُؤْمَرُون أن يتكلموا بذلك ، ولا يَحْمِلون الرسالة إلى الخلق . هـ . قلت : وكأنه ينظر إلى قوله - عليه الصلاة والسلام - : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ، فهم يشاركون الأنبياء في الوحي الإلهامي ، ولا يبلغون ذلك إلا لمن صدقهم وتبعهم في طريقهم . والله تعالى أعلم . ثمَّ عرف بنفسه بما أظهر من تجلياته العلوية والسفلية