Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 70-70)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { والله خلقكم } : أظهركم إلى عالم الشهادة ، { ثم يتوفاكم } : يردكم إلى عالم الغيب عند انتهاء آجالكم ، { ومنكم مَن يُردُّ إلى أرذَلِ العُمُرِ } أي : أخسه ، يعني : الهِرَم والخرف ، الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل . وقيل : هو خمس وتسعون سنة ، وقيل : خمس وسبعون سنة ، والتحقيق : أن ذلك لا ينضبط بسن . { لكي لا يَعْلَم بعد عِلْمٍ شيئًا } ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية ، في نقصان العقل والنسيان وسوء الفهم . وليس المراد نفي العلم بالكلية ، بل عبارة عن قلة العلم لغلبة النسيان . وقيل : المعنى : لئلا يعلم زيادة على علمه شيئًا . قال عكرمة : من قرأ القرآن لم يصر بهذه المنزلة . قلت : جاء في بعض الأحاديث ما يقتضي تخصيص القارئ للقرآن بالمتبع له ، وأنه الذي يُمتعه الله بعقله حتى يموت ، وهو الذي يشهد له الحس ، أي : الوجود في الخارج ، بالصدق ، لوجود الخرف في كثير ممن يحفظه . قاله في الحاشية . { إن الله عليم قدير } أي : عليم بمقادير الأشياء وأوقاتها ، قدير على إيجاد الأشياء وإعدامها ، عند انتهاء آجالها ، فيميت الشاب النشط عند تمام أجله ، ويبقى الهرم الفاني إلى انقضاء أجله . قال البيضاوي : وفيه تنبيه على أن تفاوت أعمار الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ، ركب أبنيتهم ، وعدل أمزجتهم ، على قدر معلوم ، ولو كان في ذلك بمقتضى الطبائع لم يقع التفاوت إلى هذا المبلغ . هـ . الإشارة : الخلق والتوفي هو من جملة الظهور والبطون ، عند أهل التوحيد الخاص ، والرد إلى أرذل العمر لا يلحق العارفين بالله . وقد قيل ، في استثناء قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ العَصر : 3 ] من الرد إلى أسفل سافلين : إن الصالح لا يدركه الخَرف وإن أدركه الهرم . وذلك دليل على سعادته ، وعدم تشويه صورته في الآخرة ، والله تعالى قادر على وقاية أوليائه مما يشين به أعداءه عاجلاً . وفي الحديث : " إذا قرأ الرجلُ القرآنَ ، واحتْشَى من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي : امتلأ - وكانتْ هناك غزيرةٌ - يعني : فقه نفس ومعرفة - ، كان خليفةً من خلفاء الأنبياء " . ثمَّ سفَّه رأي من أشرك بعد هذه الدلائل فقال : { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ … } .