Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 75-76)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { عبدًا } : بدل من { مَثَلاً } ، و { مَن } : نكرة موصوفة ، أي : عبدًا مملوكًا ، وحرًا رزقناه منا رزقًا حسنًا ، وقيل : موصولة . و { سرًّا وجهرًا } : على إسقاط الخافض ، وجمع الضمير في { يستوون } لأنه للجنسين ، و { رجلين } : بدل من : { مَثَلاً } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ضَرَبَ اللهُ مثلاً } لضعف العبودية ، وعظمة الربوبية ، ثم بيَّنه فقال : { عبدًا مملوكًا لا يقدرُ على شيءٍ } ، وهذا مثال للعبد ، { ومن رزقناه } أي : وحرًا رزقناه { مِنا رزقًا حسنًا فهو } يتصرف فيه كيف يشاء ، { ينفق منه سرًا وجهرًا } ، وهذا : مثال للرب تبارك وتعالى ، مَثَّلَ ما يشرك به من الأصنام بالمملوك العاجز عن التصرف رأسًا ، ومَثَّل لنفسه بالحر المالك الذي له مال كثير ، فهو يتصرف فيه ، وينفق منه كيف شاء . وقيل : هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق . وتقييد العبد بالمملوك للتمييز من الحر فإنه أيضًا عبدٌ لله . وبسلْب القدرة عن المكاتب والمأذون في التصرف ، فإن الأصنام إنما تشبه العبد الْقِنّ الذي لا شوب حرية فيه ، بل هي أعجز منه بكثير ، فكيف تضاهي الواحد القهار ، الذي لا يعجزه مقدور ؟ ولذلك قال : { هل يستوون } ؟ أي : العبيد العجزة ، والمتصرف بالإطلاق . { الحمد لله } على بيان الحق ووضوحه لأنها نعمة جليلة يجب الشكر عليها ، أو الحمد كله لله لا يستحقه غيره ، فضلاً عن العبادة لأنه مولى النعم كلها . { بل أكثرهم لا يعلمون } أي : لا علم لهم : فيضيفون النعم إلى غيره ويعبدونه لأجلها ، أو لا يعلمون ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون به . ثم ضرب الله مثلاً آخر فقال : { وضَرَبَ اللهُ مثَلاً } ، ثم بيًّنه بقوله : { رجلين أحدهما أبْكَمُ } وُلد أخرس ، لا يَفهم ولا يُفهم ، { لا يقدر على شيء } من الصنائع والتدابير لنقصان عقله ، { وهو كَلٌّ } أي : ثقيل عيال { على مولاه } الذي يلي أمره ، { أينما يُوجهه } : يُرسله في حاجة أو أمر { لا يأتِ بخير } بنجح وكفاية مهم . وهذا مثال للأصنام . { هل يستوي هو } أي : الأبكم المذكور ، { ومَن يأمر بالعدل } ومن هو مِنطيقٌ متكلم بحوائجه ، ذو كفاية ورشد ، ينفع الناس ويحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل ، { وهو على صراط مستقيم } أي : وهو في نفسه على طريق مستقيم ، لا يتوجه إلى مطلب إلا ويحصله بأقرب سعْي ؟ وهذا مثال للحق تعالى ، فضرب هذا المثل لإبطال المشاركة بينه وبين الأصنام ، وقيل : للكافر والمؤمن . والأصوب : كون المَثَليْن معًا في الله مع الأصنام لتكون الآية من معنى ما قبلها وما بعدها في تبيين أمر الله ، والرد على أمر الأصنام . والله تعالى أعلم . الإشارة : الحق تعالى موصوف بكمالات الربوبية ، منعوت بعظمة الألوهية ، وعبيده موسومون بنقائص العبودية ، وقهرية الملكية . فمن أراد أن يمده الله في باطنه بكمالات الربوبية من قوة وعلم ، وغنى وعز ، ونصر وملك ، فليتحقق في ظاهره بنقائص العبودية من ذل ، وفقر ، وضعف ، وعجز ، وجهل . فبقدر ما تجعل في ظاهرك من نقائص العبودية يمدك في باطنك بكمالات الربوبية " تحقق بوصفك يمدك بوصفه " ، والتحقق بالوصف إنما يكون ظاهرًا بين خلقه ، لا منفردًا وحده إذ ليس فيه كبير مجاهدة إذ كل الناس يقدرون عليه ، وإنما التحقق بالوصف - الذي هو ضامن للمدد الإلهي - هو الذي يظهر بين الأقران . وبالله التوفيق . ثمَّ بيِّن كمال علمه وقدرته بعد أن ذكر كمالات ذاته فقال : { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ … }