Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 77-78)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أمهات } : جمع أم ، زيدت فيه الهاء فرقًا بين من يعقل ومن لا يعقل ، قاله ابن جزي . والذي لغيره حتى ابن عطية : إنما زيدت لمبالغة والتأكيد . وقرئ بضم الهمزة ، وبكسرها اتباعًا للكسرة قبلها . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولله غيبُ السماواتِ والأرض } أي : يعلم ما غاب فيهما ، كان محسوسًا أو غير محسوس قد اختص به علمه ، لا يعلمه غيره . ثم برهن على كمال قدرته فقال : { وما أمرُ الساعةِ } أي : قيام القيامة ، في سرعته وسهولته ، { إلا كلمح البصر } كرد البصر من أعلى الحدقة إلى أسفلها ، { أو هو أقرب } : أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة ، بل أقل لأن الحق تعالى يحيي الخلائق دفعة واحدة ، في أقل من رمشة عين ، و " أو " للتخيير ، أو بمعنى بل . { إن الله على كل شيء قدير } فيقدر على أن يُحيي الخلائق دفعة ، كما قدر أن يوجدهم بالتدريج . ثم دلَّ على قدرته فقال : { والله أخرجكم من بُطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا } جهالاً ، { وجعل لكم السمعَ } أي : الأسماع { والأبصارَ والأفئدة } أي : القلوب ، فتكتسبون ، بما تُدركون من المحسوسات ، العلوم البديهية ، ثم تتمكنون من العلوم النظرية بالتفكر والاعتبار ، ثم تُدركون معرفة الخالق { لعلكم تشكرون } نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ، أظهركم أولاً من العدم ، ثم أمدكم ثانيًا بضروب النعم ، طورًا بعد طور ، حتى قدمتم عليه . وقدَّم في جميع القرآن نعمة السمع على البصر لأنه أنفع للقلب من البصر ، وأشد تأثيرًا فيه ، وأعم نفعًا منه في الدين إذ لو كانت الناس كلهم صمًا ، ثم بُعِثت الرسل ، فمن أين يدخل عليهم الإيمان والعلم ؟ وكيف يدركون آداب العبودية وأحكام الشرائع ؟ إذ الإشارة تتعذر في كثير من الأحكام ، وإنما أفرده ، وجمع الأبصار والأفئدة لأن متعلق السمع جنس واحد ، وهي الأصوات ، بخلاف متعلق البصر ، فإنه يتعلق بالأجرام والألوان ، والأنوار والظلمات ، وسائر المحسوسات ، وكذلك متعلق القلوب معاني ومحسوسات ، فكانت دائرة متعلقهما أوسع مع متعلق السمع . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما غاب في سماوات الأرواح من علوم أسْرار الربوبية ، وفي أرض النفوس من علوم أحكام العبودية ، هو في خزائن الله ، يفتح منهما ما شاء على من يشاء إذ أمره تعالى بين الكاف والنون . وما أمر الساعة ، التي يفتح الله فيها الفتح على عبده ، بأن يميته عن نفسه ، ثم يحييه بشهود طلعة ذاته ، إلا كلمح البصر أو هو أقرب . لكن حكمته اقتضت الترتيب والتدريج ، فيُخرجه إلى هذا العالم جاهلاً ، ثم يفتح سمعه للتعلم والوعظ ، وبصره للنظر والاعتبار ، وقلبه للشهود والاستبصار ، حتى يصير عالمًا عارفًا بربه ، من الشاكرين الذين يعبدون الله ، شكرًا وقيامًا برسم العبودية . وبالله التوفيق . ثمَّ حض على التفكير الذي هو سبب المعرفة وشبكة العلوم