Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 110-111)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تجهرْ } بقراءة صلاتك ، بحيث تُسمع المشركين ، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها ، { ولا تُخافت } أي : تُسر { بها } حتى لا تُسمع من خلفك من المؤمنين ، { وابتغ بين ذلك سبيلاً } واطلب بين المخافتة والإجهار طريقًا قصدًا ، فإنَّ خير الأمور أوسطها . والتعبير عن ذلك بالسبيل باعتبار أنه طريق يتوجه إليه المتوجهون ، ويؤمه المقتدون ليوصلهم إلى المطلوب . رُوي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ، ويقول : أُنَاجِي ربِّي ، وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي . وعُمَرُ رضي الله عنه كان يجهر ، ويقول : أطردُ الشَّيْطَانَ وأُوقِظُ الوَسْنَانَ . فلما نزلت ، أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بَكْرٍ أَنْ يَجْهَر قليلاً ، وعمر أن يَخْفِض قليلاً . وقيل : المعنى : { ولا تجهر بصلاتك } كلها ، { ولا تُخافت بها } بأسرها ، { وابتغِ بين ذلك سبيلاً } بالمخافتة نهارًا والجهر ليلاً . وقيل : { بصلاتك } بدعائك . وذهب قوم إلى أنها منسوخة لزوال علة السب واللغو بإظهار الدين وإخفاء الشرك وبطلانه فالحمد لله على ذلك كما قال تعالى : { وقل الحمدُ لله الذي لم يتخذ ولدًا } كما يزعم اليهود والنصارى وبنو مدلج حيث قالوا : عُزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، والملائكة بنات الله . تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا ، { ولم يكن له شريك في الملك } في الألوهية كما تقول الثنوية القائلون بتعدد الآلهة . { ولم يكن له وَلِيٌّ من الذُّلِّ } أي : لم يكن له ناصر ينصره { من الذُّل } أي : لم يذل فيحتاج إلى ولي يُواليه ليدفع ذلك عنه . وفي التعرض في أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من هذه نعوته ، دون غيره إذ بذلك يتم الكمال ، وما عداه ناقص حقير ، ولذلك عطف عليه : { وكبِّره تكبيرًا } عظيمًا ، وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد ، واجتهد في العبادة والتحميد ، ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك . رُوي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علَّمه هذه الآية : وقل الحمد لله … الخ . والله تعالى أعلم . الإشارة : الإجهار بالذكر والقراءة والدعاء ، مباح لأهل البدايات ، لمن وجد قلبه في ذلك ، وأما النهي الذي في الآية فمنسوخ لأن الصحابة ، حين هاجروا من مكة ، رفعوا أصواتهم بالقراءة والتكبير . لكن المداومة عليه من شأن أهل البُعد عن الحضرة ، وأما أهل القُرب فالغالب عليهم السكوت أو المخافتة قال تعالى : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] . وأما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي بكر رضي الله عنه بالإجهار قليلاً ، وعمر بالخفض قليلاً فإخراج لهم عن مرادهم تربيةً لهم . وختم السورة بآية العز إشارة إلى أن من أسرى بروحه ، أو بجسده إلى الملأ الأعلى كان عاقبته العز والرفعة في الدارين .