Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 26-30)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وآتِ ذا القُربى حقه } أي : أعط ذا القربة حقه من البر ، وصلة الرحم ، وحسن المعاشرة . وقال أبو حنيفة : إذا كانوا محاويج فقراء : أن ينفق عليهم . وقيل : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أن يُؤتى قرابته من بيت المال ، { و } آت { المسكينَ } حقه { وابنَ السبيل } الغريب ، من برهما والإحسان إليهما ، { ولا تبذرْ تبذيرًا } بصرف المال فيما لا ينبغي ، وإنفاقه على وجه السرف . قال ابن عزيز : التبذير في النفقة : الإسراف فيها ، وتفريقها في غير ما أحل الله . هـ . وأصل التبذير : التفريق . " رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد ، وهو يتوضأ : مَا هذَا السَّرَفُ ؟ فقال : أَو فِي الوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ فقال : " نَعَمْ ، وإِنْ كنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ " . { إِنَّ المبذّرين كانوا إِخوانَ الشياطين } أي : أمثالهم في الشر فإن التضييع والإتلاف شر . أو : على طريقتهم ، أو : أصدقاؤهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإسراف ، رُوي أنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها - أي : يتقامرون - من الميسر ، وهو القمار - ويُبذرون أموالهم - في السمعة ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وأمرهم بالإنفاق في القرابات . { وكان الشيطانُ لربِّه كفورًا } مبالغاً في الكفر ، فينبغي ألا يطاع . { وإِما تُعْرِضنَّ عنهم } أي : وإن أعرضت عما ذكر من ذوي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد ، حيث لم تجد ما تُعطيهم ، { ابتغاءَ رحمةٍ من ربك ترجوها } أي : لطلب رزق تنتظره يأتيك لتعطيهم منه ، { فقلْ لهم قولاً ميسورًا } فقل لهم قولاً لينًا سهلاً ، بأن تعدهم بالعطاء عند مجيء الرزق ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سأله أحد ، ولم يجد ما يعطيه ، أعرض عنه ، حياء منه . فَأُمِرَ بحسن القول مع ذلك ، مثل : رزقنا الله وإياكم ، والله يُغنيكم من فضله ، وشبه ذلك ثم أمره بالتوسط في العطاء ، فقال : { ولا تجعل يدكَ مغلولةً إِلى عُنقك } أي : لا تمسكها عن الإنفاق كل الإمساك ، { ولا تبسطها كل البسط } ، وهو استعارة لغاية الجود ، فنهى الحقُّ تعالى عن الطرفين ، وأمر بالتوسط فيهما ، كقوله : { إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ … } [ الفُرقان : 67 ] الآية . { فتقعُدَ ملومًا محسورًا } أي : فتصير ، إذا أسرفت ، ملومًا عند الله وعند الناس بالإسراف وسوء التبذير ، محسورًا : منقطعًا بك ، لا شيء عندك . وهو من قولهم : حسر السفر بالبعير : إذا أتعبه ، ولم يُبْقِ له قوة . وعن جابر رضي الله عنه : بينا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ ، أتاهُ صبي ، فقال له : إن أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ الدِّرْعَ الذي عَليْكَ ، فَدَخَلَ دَارَهُ ونَزَعَ قَمِيصَهُ وأعْطَاهُ ، وقَعَدَ عُرْيَانًا ، وأذَّن بلالٌ ، وانتظره للصلاة ، فلم يخرُجْ ، فأنزل الله : { ولا تجعل يدك } الآية . ثم سلاَّه بقوله : { إِنَّ ربك يبسط الرزق } يوسعه { لمن يشاءُ ويَقْدِرُ } يضيقه على من يشاء . فكل ما يصيبك من الضيق فإنما هو لمصلحة باطنية ، { إِنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا } يعلم سرهم وعلانيتهم ، فيعلم مِنْ مصالحهم ما يخفى عليهم فيرزقهم على حسب مصالحهم ، ويضيق عليهم على قدر صبرهم . والحاصل : أنه يُعطي كل واحد ما يَصلح به ، والله أعلم . الإشارة : أمر الحق - جلّ جلاله - رسوله صلى الله عليه وسلم ، وخلفاءه ممن كان على قدمه ، أن يعطوا حق الواردين عليهم من قرابة الدين والنسب ، والمساكين والغرباء ، من البر والإحسان حسًا ومعنى كتعظيم ملاقاته ، وإرشادهم إلى ما ينفع بواطنهم ، والإنفاق عليهم ، من أحسن ما يجد ، حسًا ومعنى ، وخصوصًا الإخوان في الله . فكل ما يُنفق عليهم فهو قليل في حقهم ، ولا يُعد سرفًا ، ولو أنفق ملء الأرض ذهبًا . قال في القوت : دعا إبراهيمُ بن أدهم الثوريَّ وأصحابَه إلى طعام ، فأكثر منه ، فقال له سفيانُ : يا أبا إسحاق أما تخاف أن يكون هذا سرفًا ؟ فقال إبراهيم : ليس في الطعام سرف . هـ . قلت : هذا إن قدَّمه إلى الإخوان الذاكرين الله قاصدًا وجه الله ، وأما إن قدمه مفاخرة ومباهاة دخله السرف . قاله في الحاشية الفاسية ، ومثله في تفسير القشيري ، وأنه لا سَرف فيما كان لله ، ولو أنفق ما أنفق . بخلاف ما كان لدواعي النفس ولو فلسًا . هـ . وأما الخروج عن المال كله فمذموم ، إلا من قوي يقينه ، كالصدِّيق ، ومن كان على قدمه . وكذلك الاستقراض على الله ، واشتراؤه بالدَّين من غير مادة معلومة ، إن كان قوي اليقين ، وجرّب معاملته مع الحق ، فلا بأس بفعل ذلك وإلاَّ فليكف لئلا يتعرض لإتلاف أموال الناس فيتلفه الله . وبالله التوفيق . ولما أمر بما يقربها إليه نهى عما يبعدنا عنه