Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 31-35)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { خشية } : مفعول من أجله لأن الخشية قلبية ، بخلاف الإملاق ، فإنه حسي فَجُرَّ بمن في سورة الأنعام . وهذه الآية في أغنياء العرب ، الذين كانوا يخشون وقوع الفقر ، وما في " الأنعام " نزلت في فقرائهم ، الذين كان الفقر واقعًا بهم ، ولذلك قدَّم هناك كاف الخطاب ، وأخَّره هنا ، فتأمله . و " خِطًا " يقال : خطئ خطأ ، كأثم إثمًا . وقرأ ابن عامر : " خَطأً " ، بفتحتين ، فهو إما اسم مصدر أخطأ ، أو لغة في خطئ ، كمِثل ومَثل ، وحِذر وحَذر . وقرأ ابن كثير : " خِطاء " بالمد ، إما لغة ، أو مصدر خاطأ . انظر البيضاوي . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تقتلوا أولادكم } مخافة الفاقة المستقبلة ، وقد كانوا يقتلون البنات - وهو الوأد - مخافة الفقر ، فنهاهم ، عن ذلك ، وضمن لهم أرزاقهم ، فقال : { نحن نرزقهم وإِياكم إِنَّ قتلهم كان خِطأً } إثمًا { كبيرًا } لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع وإيلام الروح . { ولا تقربوا الزنا } ، نهى عن مقاربته بالمقدمات . كالعزم والنظر وشبهه ، فأحرى مباشرته ، { إِنه كان فاحشةً } أي : فعلة ظاهرًا فُحشها وقُبحها ، { وساء سبيلاً } قبح طريقًا طريقُهُ ، وهو غصب الأبْضاع لما فيه من اختلاط الأنساب وهتك محارم الناس ، وتهييج الفتن . { ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّم اللهُ إِلا بالحق } إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنى بعد إحصان ، وقتل مؤمن معصوم عمدًا ، كما في الحديث . ويلحق بها أشياء في معناها : كالحِرَابَةِ ، وترك الصلاة ، ومنع الزكاة . { ومن قُتل مظلومًا } أي : غير مستوجب للقتل { فقد جعلنا لوَليِّه } أي : الذي يلي أمره بعد وفاته ، وهو الوارث ، { سُلطانًا } تسلطًا بالمؤاخذة بمقتضى القتل بأخذ الدية ، أو القصاص ، وقوله : { مظلومًا } : يدل على أن القتل عمد لأن الخطأ لا يُسمى ظلمًا . أو : جعلنا له حجة غالبة ، { فلا يُسرفْ في القتل } بأن يقتل من لا يحق قتله ، أو بالمثلة ، أو قتل غير القاتل ، { إِنه } أي : الولي { كان منصورًا } حيث وجب القصاص له ، وأمر الولاة بمعونته . أو : إنه ، أي : المقتول ، كان منصورًا في الدنيا بثبوت القصاص ممن قتله ، وفي الآخرة بالثواب . { ولا تقربُوا مالَ اليتيم } فضلاً عن أن تتصرفوا فيه { إِلا بالتي هي أحسنُ } إلا بالطريقة التي هي أحسن ، كالحفظ والتنمية ، { حتى يبلغ أشُدَّه } حتى يتم رشده ، ثم يدفع له ، فإن دفعه لمن يتصرف فيه بالمصلحة فلا بأس ، { وأوفُوا بالعهد } إذا عاهدتم الله أو الناس ، { إِن العهد كان مسؤولاً } أي : مطلوبًا الوفاء به ، فيطلب من المعاهد ألا يُضيعه ، أو : مسؤولاً عنه ، فيُسأل عنه الناكث ويُعاتب عليه ، أو : يُسأل العهد نفسُه لِمَ نكثْتَ ، تبكيتًا للناكث ، { وأوفوا الكيل إِذا كِلْتُم } ولا تبخسوا فيه ، { وزِنُوا بالقسطاس المستقيم } بالميزان السّوي . والقسطاس : لغة رومية ، ولا يقدح ذلك في عربية القرآن لأن غير العربي ، إذا استعملته العرب ، فأجرته مجرى كلامهم في الإعراب والتعريف والتنكير ، صار عربيًا . قاله البيضاوي . { ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً } أي : أحسن عاقبة ومآلاً . والله تعالى أعلم . الإشارة : ولا تقتلوا ما أنتجته الأفكار الصافية من العلوم بإهمال القلوب في طلب رزق الأشباح ، خشية لحوق الفقر ، فإنَّ الله ضامن لرزق الأشباح والأرواح . ولا تميلوا إلى الحظوظ ، التي تُخرجكم عن حضرة الحق فإن ذلك من أقبح الفواحش . ولا تقتلوا النفس بتوالي الغفلة والجهل ، التي حرَّم الله قتلها وإهمالها ، وأمر بإحيائها بالذكر والعلم ، ومن قُتل بذلك مظلومًا بحيث غلبته نفسه ، ولم تساعده الأقدار ، فقد جعلنا لعقله سلطانًا ، أي : تسلطًا عليها بمجاهدتها وقتلها وردها إلى مولاها ، فلا يُسرف في قتلها ، بل بسياسة وحيلة ، كما قال القائل : @ واحْتَلْ عَلَى النَّفْسِ فرُبَّ حِيلَهْ أَنْفَعُ فِي النُّصْرِ منْ قَبِيلهْ @@ إنه كان منصورًا ، إن انتصر بمولاه ، وآوى بها إلى شيخ كامل ، قد فرغ من تأديب نفسه وهواه . وقد تقدم باقي الإشارة في سورة الأنعام وغيرها . وبالله التوفيق .