Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 73-77)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { وإن } : مخففة من الثقيلة في الموضعين ، واسمها : ضمير الشأن ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، أي : إن الشأن قاربوا أن يفتنوك . و { سُنَّة } : مفعول مطلق ، أي : سنَّ الله ذلك سنة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإِن كادُوا } أي : كفار العرب ، { ليَفتنونُك عن الذي أوحينا إِليك } من أمرنا ونهينا ، ووعدنا ووعيدنا ، { لتفتريَ علينا غيره } لتقول ما لم أقل لك ، مما اقترحوا عليك . نزلت في ثقيف ، إذ قالوا للنَّبي صلى الله عليه وسلم : لا نَدْخُلُ في أَمْركَ حتى تُعْطِينَا خِصَالاً نَفْتَخِرُ بها على العَرَبِ : لا نُعشَّرُ ، وَلا نُحشَّرُ ، وَلاَ نَحْنِي في صَلاَتِنَا ، وكُلُّ رِبًا لنَا فهُو لنَا ، وكلُّ رِبًا عَلَيْنَا فهو مَوْضُوعٌ ، وأنْ تُمَتِّعنا باللات سَنَةً ، وأن تُحَرِّمَ وَادِيَنا كما حرمت مكة ، فإذا قالت العَرَبُ : لِمَ فَعَلْتَ ؟ فقُل : الله أَمَرَنِي بذلك . فأبى عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وخيب سعيهم . فالآية ، على هذا ، مدنية . وقيل : في قريش ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لا نُمكنك من استلام الحجر ، حتى تلمّ بآلهتنا ، وتمسّها بيدك . وقيل : قالوا : اقبل بعض أمرنا ، نقبل بعض أمرك ، والآية ، حينئذ ، مكية كجميع السورة . { وإِذًا لاتخذوكَ خليلاً } أي : لو فعلت ما أرادوا منك لصرت لهم وليًا وحبيبًا ، ولخرجت من ولايتي ، { ولولا أن ثبتناك } على ما أنت عليه من الحق بعصمتنا لك ، { لقد كِدتَ تركنُ إليهم شيئًا قليلاً } من الركون ، الذي هو أدنى ميل ، أي : لولا أن عصمناك ، لقاربت أن تميل إليهم لقوة خدعهم ، وشدة احتيالهم . لكن عصمتنا منعتك من المقاربة . وهو صريح في أنه - عليه الصلاة والسلام - ما هَمَّ بإجابتهم ، مع قوة الداعي إليها ، ولا قارب ذلك . وهو دليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه ، قاله البيضاوي . وفيه رد على ابن عطية ، حيث قال : قيل : إنه هَمَّ بموافقتهم ، لكن كان ذلك خطرة ، والصواب : عدم ذلك لأن التثبيت والعصمة مانعٌ من ذلك . وقد أجاد القشيري في ذلك ، ونصه : ضربنا عليكَ سرادقات العصمة ، وآويناكَ في كنف الرعاية ، وحفظناك عن خطر اتباع هواك ، فالزَّلَلُ منك محال ، والافتراءُ في نعتك غير موهوم ، ولو جَنَحْتَ لحظةً إلى جانب الخلاف لَتَضَاعَفَتْ عليكَ شدائدُ البلاء لكمالِ قَدْرِك وعُلُوِّ شأنك فإنَّ كل مَنْ هو أعلى درجةً فَذَنْبُه - لو حصل - أشدُّ تأثيرًا . { ولولا أن ثبتناك … } الآية : لو وكلناك ونَفسَكَ ، ورفعنا عنك ظِلَّ العصمة ، لقاربت الإلمام بشيء مما لا يجوز من مخالفة أمرنا ، ولكِنَّا أفردناك بالحفظ ، بما لا تتقاصر عنكَ آثاره ، ولا تَغْرُبُ عن ساحتك أنواره . { إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وضَعْف الممات } ، هبوط الأكابر على قدر صعودهم . هـ . { إِذًا } أي : لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركون { لأذقناك ضِعف } عذاب { الحياة } { وضِعْفَ } عذاب { الممات } ، أي : مِثْلِيْ ما يُعَذِّبُ غيرك في الدنيا والآخرة لأن خطأ الخطير أخطر . وكأن أصل الكلام : عذابًا ضعفًا في الحياة ، وعذابًا ضعفًا في الممات ، أي : مضاعفًا ، ثم حذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه ، ثم أضيفت إضافة موصوفها . وقيل : الضعف من أسماء العذاب . وقيل : المراد بضعف الحياة : عذاب الآخرة لأن حياته دائمة ، وبضعف الممات : عذاب القبر . { ثم لا تجدُ لك علينا نصيرًا } يدفع عنك العذاب . { وإِن كادوا } أي : كاد أهل مكة { لَيَسْتفزُّونك } ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم { من الأرض } التي أنت فيها . وهي : أرض مكة ، { ليُخرِجوك منها وإِذًا لا يلبثون خِلافَكَ إِلاَّ قليلاً } إلا زمنًا قليلاً . وقد كان كذلك ، فإنهم أُهلكوا ببدر بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ، وقيل : نزلت في اليهود فإنهم حَسَدوا مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فقالوا : الشام مقام الأنبياء ، فإن كنت نبيًا فالحَقْ بها حتى نؤمن بك . فوقع ذلك في قلبه صلى الله عليه وسلم ، فخرج مرحلة ، فَنَزَلت ، فرَجَعَ صلى الله عليه وسلم ، ثم قتل منهم بني قريظة ، وأجلى بني النضير بقليل ، { سُنَّة مَن قد أرسلنا قَبلك من رُسلنا } أي : عادته تعالى : أن يُهلك من أُخْرِجَتْ رسلهم من بين أظهرهم ، فقد سنَّ ذلك في خلقه ، وأضافها إلى الرسل لأنها سُنت لأجلهم . { ولا تجد لسُنَّتنا تحويلاً } أي : تغييرًا وتبديلاً . الإشارة : من شأن العارف الكامل أن يأخذ بالعزائم ، ويأمر بما يقتل النفوس ، ويوصل إلى حضرة القدوس ، وهو كل ما يثقل على النفوس ، فإن أتاه من يفتنه ويرده إلى الهوى ، حفظته العناية ، واكتنفته الرعاية ، فيقال له : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك وحي إلهام ، لتفتري علينا غيره ، فتأمر بالنزول إلى الرخص والتأويلات وإذًا لاتخذوك خليلاً . ولولا أن ثبتناك بالحفظ والرعاية ، لقد كدت تركنُ إليهم شيئًا قليلاً ، وهي : خواطر تخطر ولا تثبت . إذًا لأذقناك ضعف الحياة ، وهو : الذل والحرص والطمع . وضعف الممات ، وهو : السقوط عن مقام المقربين ، أهل الرَّوح والريحان . وإن كادوا ليستفزونك من أرض العبودية ، ليخرجوك منها إلى إظهار الحرية من العز والجاه ، وإذًا لا يلبثون خلافك ممن اتبعك إلا قليلاً لأن من رجع إلى مباشرة الدنيا والحس قلَّ مدده ، فيقل انتفاعه ، فلا يتبعه إلا القليل . هذه سُنة الله في أوليائه ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً . ثمَّ أمر بمراسم الشريعة التي هي عنوان العناية