Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 83-84)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإٍذا أنعمنا على الإِنسان } : بالصحة والعافية والنعمة ، { أعرضَ } عن ذكرنا ، فضلاً عن القيام بالشكر ، { ونَأى } أي : تباعد { بجانبه } لوى عطفه وبعد بنفسه . فالنأي بالجانب : أن يلوي عن الشيء عِطفَه ويوليه عُرض وجهه ، فهو تأكيد للإعراض . أو عبارة عن التكبر لأنه من ديدن المستكبرين ، { وإِذا مسَّه الشرُّ } من فقر ، أو مرض ، أو نازلة من النوازل ، { كان يؤوسًا } شديد اليأس من روحنا وفرجنا . وفي إسناد المسِّ إلى الشر ، بعد إسناد الإنعام إلى ضمير الجلالة إيذان بأن الخير مراد بالذات ، والشر ليس كذلك . وهذا الوصف المذكور هنا هو وصف للإنسان باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذا الوصف ، ولا ينافيه قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } [ فُصّلَت : 51 ] ، ونظائره فإن ذلك في نوع آخر من جنس الإنسان . وقيل : أريد به الوليد بن المغيرة . قال تعالى : { قُل كلٌّ } أي : كل واحد منكم وممن هو على خلافكم { يعملُ على شاكلته } على طريقته التي تُشاكل حاله من الهُدى والضلالة ، { فربُّكم أعلم بمن هو أَهدى سبيلاً } أي : فربكم ، الذي يراكم على هذه الأحوال والطرق ، أعلم بمن هو أسَدَّ طريقًا وأبين منهاجًا . وقد فسرت الشاكلة أيضًا بالطبيعة والعادة والدين والنية . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي للمؤمن المشفق على نفسه أن يمعن النظر في كلام سيده ، فإذا وجده مدَحَ قومًا بعمل ، بادر إلى فعله ، أو بوصف ، بادر إلى التخلق به ، وإذا وجده ذم قومًا ، بسبب عمل ، تباعد عنه جهده ، أو بوصف تطهر منه بالكلية . وقد ذم الحق تعالى هنا من بطر بالنعمة وغفل عن القيام بشكرها ، ومن جزع عند المصيبة وأيس من ذهابها ، فليكن المؤمن على عكس هذا ، فإذا أصابته مصيبة أو بلية تضرع إلى مولاه ، ورجى فضله ونواله ، وإذا أصابته نعمة دنيوية أو دينية أكثر من شكرها ، وشهد المنعم بها في أخذها وصرفها ، ولا سيما نعمة الإيمان والمعرفة ، وتصفية الروح من غبش الحس والوهم ، حتى ترجع لأصلها ، الذي هو سر من أسرار الله . الذي أشار إليه بقوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ … }