Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 19-20)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكذلك } أي : وكما أنمناهم وحفظنا أجسادهم من البلاء والتحلل ، وكان ذلك آية دالة على كمال قدرتنا ، { بعثناهم } من النوم { ليتساءلوا بينهم } أي : ليسأل بعضُهم بعضًا ، فيترتب عليه ما فصّل من الحِكَم البالغة ، أو : ليتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم ، فيزدادوا يقينًا على كمال قدرة الله ، ويستبصروا أمر البعث ، ويشكروا ما أنعم الله به عليهم . { قال قائلٌ منهم } هو رئيسهم ، واسمه : " مكْسلَيمنيا " : { كم لبثتمْ } في منامكم ؟ لعله قال ذلك لِمَا رأى من مخالفة حالهم ، لِمَا هو المعتاد في الجملة ، { قالوا } أي : بعضهم : { لبثنا يومًا أو بعض يوم } ، قيل : إنما قالوا ذلك لأنهم دخلوا الكهف غُدوة ، وكان انتباههم آخر النهار ، فقالوا : { لبثنا يومًا } ، فلما رأوا أن الشمس لم تغرب بعدُ قالوا : { أو بعض يوم } ، وكان ذلك إخبارًا عن ظنِّ غالب ، فلم يُعْزَوْا إلى الكذب . { قالوا } أي : بعضٌ آخر منهم ، بما سنح له من الأدلة ، ولِمَا رأى من طول أظافرهم وشعورهم : { ربكُم أعلمُ بما لبثتم } أي : أنتم لا تعلمون مدة لبثكم ، وإنما يعلمها الله - سبحانه - ، وهذا رد منهم على الأولين بأجمل ما يكون من حسن الأدب ، { فابعثوا أحَدكم بورقكم هذه إِلى المدينة } ، أعرضوا عن البحث عن المدة ، وأقبلوا على ما يهم في الوقت ، والورق : الفضة ، مضروبة أو غير مضروبة ، ووصْفُها باسم الإشارة يقتضي أنها كانت معينة ليشتري بها قوت ذلك اليوم ، وحملها دليل على أن التزود لا ينافي التوكل ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يتزود لغار حراء ليتعبد فيه . ثم قالوا : { فلينظر أيُّها } أي : أيُّ أهلها { أزكى طعامًا } أي : أحل وأطيب ، أو أكثر وأرخص ، { فليأتِكُمْ برزقٍ منه } أي : من ذلك الأزكى طعامًا ، { وليتلطف } : وليتكلف اللطفَ في دخول المدينة وشراء الطعام ، لئلا يُعرف ، { ولا يُشْعِرَنَّ بكم أحدًا } ولا يخبر بكم ولا بمكانكم أحدًا من أهل المدينة ، أو : لا يفعل ما يؤدي إلى ذلك . ثم علل النهي بقوله : { إِنهم إِن يَظْهَرُوا عليكم } : يطلعوا عليكم ، أو يظفروا بكم ، والضمير : للأهل المقدر في " أيها " ، أي : إنَّ أهل المدينة إن يظفروا بكم { يَرجُموكم } إن ثبتم على ما أنتم عليه ، { أو يُعيدوكم في مِلَّتهمْ } أي : يصيروكم إليها ويدخلوكم فيها كرهًا ، كقوله تعالى : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } [ إبراهيم : 13 ] ، وقيل : كانوا على ملتهم ثم خالفوهم للحق . { ولن تُفلحوا إِذًا } إن دخلتم فيها ، ولو بالكره والجبر ، { أبدًا } ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وفيه من التشديد والتحذير ما لا يخفى . الإشارة : وكذلك بعثنا مَنْ توجه إلينا من نوم الغفلة والجهالة ليتساءلوا بينهم ليتعرفوا ما أنعم الله به عليهم من اليقظة والنجاة من البطالة ، فإذا انتبهوا من نوم الغفلة ، استصغروا أيام البطالة لأن أيام الغفلة قليلة أمدادها ، وإن كثرت آمادها ، وفي الحِكَم : " رب عمر اتسعت آماده ، وقَلَّْتْ أمداده " ، بخلاف زمان اليقظة ، فإنه كثيرة أمداده ، وإن قلّتْ آماده ، فهو طويل معنىً ، وإن قلَّ حسًا ، ولذلك قال في الحِكَم أيضًا : " ورب عمر قليلةٌ آماده ، كثيرةٌ أمداده " . وقال أيضًا : " من بورك له في عمره : أدرك في يسيرٍ من الزمان مِنْ مِنَن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة " . فإن توقفوا على قوت أشباحهم التمسوا أطيبه وأزكاه وأحله ، فإنَّ أكل الحلال يُنور القلوب وينشط الأعضاء للطاعة ، وتلطفوا في أخذه من غير مزاحمة ولا حرص ولا تعب ، فإنْ أطلعهم الله على سره المكنون من أسرار ذاته بالغوا في إخفائه ، حتى لا يُشْعروا به أحدًا من خلقه ، غير من هو أهلٌ له لأنهم ، إن أظهروه لغيرهم ، رجموهم أو أعادوهم إلى ملتهم ، بأن يقهروهم إلى الرجوع عن طريق القوم ، ولن يفلحوا إذًا أبدًا . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر اطلاع قوم أهل الكهف عليهم