Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 21-21)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { إذ يتنازعون } : ظرف لقوله : { أعثرنا } ، لا ليعلموا ، أي : أعثرنا هم عليهم حين يتنازعون بينهم … الخ ، و { رجمًا } : حال ، أي : راجمين بالغيب ، أو مفعول مُطلق ، أي : يرجمون رجمًا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكذلك } أي : وكما أنمناهم وبعثناهم لازدياد يقينهم { أعْثَرْنا عليهم } : أطلعنا الناس عليهم { ليَعْلموا } أي : ليعلم القوم الذين كانوا في ذلك الوقت { أنَّ وعد الله } أي : وعده بالبعث والثواب والعقاب { حقٌّ } صادق لا خُلْف فيه ، أو : ثابت لا مرد له لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يُبعث ، { وأنَّ الساعة } أي : القيامة ، التي هي عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعًا للحساب والجزاء ، { لا ريبَ فيها } : لا شك في قيامها ، فإنَّ مَنْ شاهد أنه جلّ وعلا تَوفَّى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنة وأكثر ، حافظًا لأبدانها من التحلل والفساد ، ثم أرسلها كما كانت ، لا يبقى معه ريب ، ولا يختلجه شك ، في أن وعده تعالى حق ، وأنه يبعث مَنْ في القبور ، ويجازيهم بأعمالهم . وكان ذلك الإعثار { إِذْ يتنازعون } : حين كانوا يتنازعون { بينهم أمْرَهُم } ، في أمر البعث مختلفين فيه ففرقة أقرّت ، وفرقة جَحَدّتْ ، وقائل يقول : تُبعث الأرواح فقط ، وآخر يقول : تُبعث جميعُ الأجسام بالأرواح ، قيل : كان ملك المدينة حينئذ رجلاً صالحًا ، ملَكها ثمانيًا وعشرين سنة ، ثم اختلف أهلُ مملكته في البعث كما تقدم ، فدخل الملِكُ بيته وغلق الباب ، ولبس مسحًا وجلس على رماد ، وسأل ربه أن يظهر الحق ، فألقى الله - عزّ وجلّ - في نفس رجل من ذلك البلد الذي فيه الكهف ، أن يهدم بنيان فم الكهف ، فهدم ما سدَّ به " دقيانوس " بابَ الكهفِ ليتخذه حظيرة لغنمه ، فعند ذلك بعثهم الله - تعالى - فجرى بينهم من التقاول ما جرى . رُوِيَ أنَّ المبعوث لمَّا دخل المدينة ليشتري الطعام ، أخرج دراهمه ، وكانت على ضرب دقيانوس ، فاتهموه أنه وجد كنزاً ، فذهبوا به إلى الملك ، فقص عليه القصة ، فقال بعضهم : إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس ، فلعلهم هؤلاء ، فانطلق الملكُ وأهلُ المدينة من مسلم وكافر ، فدخلوا عليهم وكلموهم ، ثم قالت الفتية للملك : نُودعك الله ونعيذك به من الإنس والجن ، ثم رجعوا إلى مضاجعهم ، فماتوا ، فألقى المَلِكُ عليهم ثيابه ، وجعل لكل منهم تابوتًا من ذهب ، فرآهم في المنام كارهين للذهب ، فجعلها من الساج ، وبنى على باب الكهف مسجدًا . وقيل : لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى : مكانَكَم حتى أدخل أولاً لئلا يفزعوا ، فدخل ، فَعُمِّي عليهم المدخل ، فبنوا ثَمَّةَ مسجدًا . وقيل : المتنازَع فيه : أمر الفتية قبل بعثهم ، أي : أعثرنا عليهم حين يتذاكرون بينهم أمرهم ، وما جرى بينهم وبين دقيانوس من الأحوال والأهوال ، ويتلقون ذلك من الأساطير وأفواه الرجال . وعلى التقديرين : فالفاء في قوله : { فقالوا ابنُوا } فصيحة ، أي : أعثرنا عليهم فرأوا ما رأوا ، ثم ماتوا ، فقال بعضهم : { ابنوا عليهم } : على باب كهفهم { بُنيانًا } لئلا يتطرق إليهم الناس ، ففعلوا ذلك ضنًا بمقامهم ومحافظة عليهم . ثم قالوا : { ربهم أعلمُ بهم } ، كأنهم لما عجزوا عن إدراك حقيقة حالهم من حيث النسبة ، ومن حيث العدد ، ومن حيث بُعد اللبث في الكهف ، قالوا ذلك تفويضًا إلى علام الغيوب . أو : يكون من كلامه سبحانه ردًا لقول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين ، { قال الذين غلبوا على أمرهم } ، وهو الملك والمسلمون ، وكانوا غالبين في ذلك الوقت : { لنَتَّخِذَنَّ عليهم مسجدًا } ، فذكر في القصة أنه جعل على باب الكهف مسجدًا يصلي فيه . ثم وقع الخوض في عهد نبينا - عليه الصلاة والسلام - بين نصارى نجران حين قدموا المدينة ، فجرى بينهم ذكر أهل الكهف وبين المسلمين في عددهم ، كما قال تعالى : { سيقولون ثلاثةٌ رابعُهُم كلبهم } ، وهو قول اليعقوبية من النصارى ، وكبيرهم السيد ، وقيل : قالته اليهود ، { ويقولون خمسة سادِسُهم كلبهُم } ، هو قول النسطورية منهم ، وكبيرهم العاقب ، { رجمًا بالغيب } : رميًا بالخبر من غير اطلاع على حقيقة الأمر ، أو ظنًا بالغيب من غير تحقيق ، { ويقولون سبعة وثامنهمْ كلبهم } ، وهو ما يقوله المسلمون بطريق التلقي من هذا الوحي ، وعدم نظمه في سلك الرجم بالغيب ، وتغيير سبكه بزيادة الواو المفيدة لزيادةِ تأكيد النسبة فيما بين طرفيها ، يَقضي بصحته . قال تعالى : { قل } يا محمد تحقيقًا للحق ، وردًا على الأولين : { ربي أعلم بعدَّتهم } أي : ربي أقوى علمًا بعدتهم ، { ما يعلمهم } أي : ما يعلم عددهم { إِلا قليلٌ } من الناس ، قد وفقهم الله تعالى للاطلاع عليهم بالدلائل أو بالإلهام . قال ابن عباس رضي الله عنه : " أنا من ذلك القليل " ، قال : حين وقعت الواو انقطعت العدة ، وأيضًا حين سكت عنه تعالى ولم يقل : رجمًا بالغيب ، علم أنه حق . وعن علي - كرم الله وجهه - : أنهم سبعة ، أسماؤهم : يمليخا ، وهو الذي ذهب بورقهم ، ومكسيلمينيا ، وهو أكبرهم والمتكلم عنهم ، ومشلينا ، وفي رواية الطبري : ومجْسَيْسِيا بدله ، وهؤلاء أصحاب يمين الملك ، وكان عن يساره : مرنوش ودبرنوش وجشاذنوس ، وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره ، و السابع : الراعي الذي تبعهم حين هربوا من دقيانوس ، واسمه : كفشططيوش . وذكر ابن عطية عن الطبري غير هؤلاء ، وكلهم عجميون ، قال : والسندُ في معرفتهم واهٍ . والله تعالى أعلم . الإشارة : عادة الحق تعالى في أوليائه أن يُخْفِيهم أولاً عن أعين الناس ، رحمةً بهم إذ لو أظهرهم في البدايات لفتنوهم وردوهم إلى ما كانوا عليه ، حتى إذا تخلصوا من البقايا ، وتمكنوا من معرفة الحق وشهوده ، أعثر عليهم من أراد سعادته ووصوله إلى حضرته ليعلموا أن وعد الله بإبقاء العدد الذين يحفظ الله بهم نظام العالم في كل زمان حق ، وأنّ خراب العالم بانقراضهم ، وقيام الساعة لا ريب فيه . وفي الآية تنبيه على ذم الخوض بما لا علم للعبد به ، ومدح من رد العلم إلى الله في كل شيء . والله تعالى أعلم . ثمَّ نهى نبنه عن المجادلة بعد وضوح الحق