Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 51-53)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { نَجِيًّا } : حال من أحد الضميرين في { ناديناه } أو { قربناه } ، وهو أحسن . و { هارون } : عطف بيان . يقول الحقّ جلّ جلاله : { واذكر في الكتاب موسى } ، قدَّم ذكره على ذكر إسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب لأنه من نسله ، { إِنه كان مُخْلِصًا } : موحدًا ، أخلص عبادته من الشرك والرياء ، وأسلم وجهه لله تعالى ، وأخلص نفسه عما سواه . وقرئ بالفتح ، على أن الله تعالى أخلصه من الدنس . قال القشيري أي : خلصًا لله ، لم يكن لغيره بوجهٍ . ثم قال : ولم يُغْضِ في اللهِ على شيءٍ . هـ . { وكان رسولاً نبيًّا } أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبأهم عنه ، ولذلك قدَّم رسولاً مع كونه أخص وأعلى ، { وناديناه من جانب الطور الأيمن } ، الطور : جبل بين مصر ومدين ، أي : ناديناه من ناحيته اليمنى ، وهي التي تلي يمين موسى عليه السلام ، فكانت الشجرة في جانب الجبل عن يمين موسى ، أو من أيمن ، أي : من جانبه الميمون ، ومعنى ندائه منه : أنه سمع الكلام من تلك الناحية ، { وقربناه نجيًّا } أي : مناجيًا لنا نُكلمه بلا واسطة ، فالتقريب : تقريبُ تكرمة وتشريف ، مَثَّلَ حاله عليه السلام بحال من قرّبه الملك لمناجاته واصطفاه لمصاحبته . وقيل : { نجيًا } من النجو ، وهو العلو والارتفاع ، أي : رفعناه من سماء إلى سماء ، حتى سمع صريف القلم يكتب له في الألواح . { ووهبنا له من رحمتنا } أي : من أجل رحمتنا ورأفتنا به ، أو من بعض رحمتنا { أخاه هارون } ، أي : وهبنا له مؤازرة أخيه ومعاضدته ، إجابةً لدعوته : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي } [ طه : 29 ، 30 ] لا نفسه لأنه كان أكبر منه ، وُجد قبله ، حَال كونه { نبيًّا } : رسولاً مُشْركًا معه في الرسالة . والله تعالى أعلم . الإشارة : كما وصف الحق تعالى خليله بالصديقية وصف كليمه بالإخلاص ، وكلاهما شرط في حصول سر الخصوصية ، سواء كانت خصوصية النبوة أو الولاية ، فمن لا تصديق عنده لا سير له ، ومن لا إخلاص له لا وصول له . وحقيقة الإخلاص : إخراج الخلق من معاملة الحق ، وهي ثلاث طبقات سفلى ، ووسطى ، وعليا . فالسفلى : أن يفعل العبادة لله تعالى ، طالبًا لعوض دنيوي ، كسعة الأرزاق ، وحفظ الأموال والبدن ، فهذا إخلاص العوام ، وإنما كان إخلاصًا لأنهم لم يلاحظوا مخلوقًا في عملهم . والوسطى : أن يعبد الله مخلصًا ، طالبًا لعوض أخروي ، كالحور والقصور . والعليا : أن يفعل العبادة قيامًا برسم العبودية ، وأدبًا مع عظمة الربوبية ، غير ملتفت لجنة ولا نار ، ولا دنيا ولا آخرة ، مع تعظيم نعيم الجنان ، لأنه محل اتصال الرؤية كما قال ابن الفارض رضي الله عنه : @ ليس شوقي من الجنان نعيمًا غير أني أُريدها لأراكَ @@ فإذا تحقق للعبد مقام الإخلاص الكامل ، صار مقربًا نجيًا في محل المشاهدة والمكالمة . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر نبيه اسماعيل فقال : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ … }