Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 56-57)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { واذكر في الكتاب إِدريس } وهو سبط شيث ، وجَدّ أبي نوح ، فإنه نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس عليه السلام ، واشتقاقه من الدرس لكثرة دراسته لما أوحي إليه ، وكثرة ذكره لله تعالى . رُوِيَ أنه كان خياطًا فكان لا يدخله الإبرة ولا يخرجها إلا بذكر الله . ورُوي أنه جاء إليه الشيطان يفتنه بفستق ، فقال له : هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في هذه الفُسْتقة ؟ فقال له عليه السلام : الله قادر على أن يدخل الدنيا كلها في سم هذه الإبرة ، ونخس عينه ، ذكره السنوسي في شرح مقرأه . قال ابن وهب : إنه دعا قومه إلى لا إله إلا الله ، فامتنعوا فهلكوا . وفي حديث أبي ذر : أنه رسول ، وجمع بينه وبين حديث الشفاعة ، وقولهم لنوح : إنك أول رسول ، بأن تكون رسالته لقومه خاصة ، كهود وصالح ، وكذا آدم وشيث ، فإنه أرسل لبنيه لتعليم الشرائع والإيمان ، ولم يكونوا كفارًا ، وخلفه في ذلك شيث ، قال المحشي الفاسي : والأظهر عندي في نوح أنه أول رسول من أهل العزم ، لا مطلقًا . قال ابن عطية : والأشهر أن إدريس عليه السلام لم يرسل ، وإنما هو نبي فقط ، وذهب إلى ذلك ابن بطال ، ليسلم من المعارضة ، وهي مدفوعة بما ذكرنا . هـ . فالمشهور أن إدريس رسول إلى قومه . رُوي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة ، وأنه أول من خط بالقلم ، ونظر في علم النجوم والحساب ، وخاط الثياب . قيل : وهو أول نبي بُعث إلى أهل الأرض . قال تعالى في وصفه : { إِنه كان صدِّيقًا نبيًّا } : خبران لكان ، والثاني مخصص للأول إذ ليس كل صديق نبي . { ورفعناه مكانًا عليًّا } ، هو شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى . وقيل : علو الرتبة بالذكر الجميل في الدنيا ، كما قال تعالى في حق نبينا : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشّرح : 4 ] ، وقيل : الجنة ، وقيل : السماء الرابعة ، وهو الصحيح . رُوِيَ عن كعب وغيره في سبب رفعه أنه مشى ذات يوم في حاجته ، فأصابه وهج الشمس وحرها ، فقال : يا رب أنا مشيت يومًا ، فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد ! اللهمَّ خَفِّفْ عنه من ثقلها ، واحمل عنه حرها ، فلما أصبح الملَك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف ، فقال : يا رب كلفتني بحمل الشمس ، فما الذي قضيت فيه ؟ فقال : إن عبدي إدريس سألني أن أُخفف عنك حملها وحرّها فأجبته ، قال : يا رب اجعل بيني وبينه خُلَّة ، فأذن له ، حتى أتى إدريس ، فقال له إدريس : أخبرت أنك أكرم الملائكة عند مَلَك الموت ، فاشفع لي ليؤخر أجلي ، لأزداد شكرًا وعبادة ، فقال له الملك : لا يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها ، فقال : قد علمت ذلك ، ولكنه أطيب لنفسي ، قال : نعم ، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء . رُوي أنه مات هناك وردت إليه روحه بعد ساعة ، فهو في السماء الرابعة حي . وهذه قصص الله أعلم بصحتها . وبالله التوفيق . الإشارة : ارتفاع المكان والشأن يكون على قدر صفاء الجنان ، والإقبال على الكريم المنان ، فبقدر التوجه والإقبال يكون الارتفاع والوصال . @ بقدر الكد تكسب المعالي وَمَنَ رَامَ العُلا سَهِرَ الليالي أتبغي العز ثم تنام ليلاً يَغُوصُ البحر منَ طلب اللآلي @@ قال بعضهم : من عامل الله على بساط الأنس : رفع ، لا محالة ، إلى حضرة القدس . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر مدحهم في الجملة .