Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 58-58)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أولئك } : مبتدأ ، و { الذين } : خبره ، أو { الذين } : صفته ، و { إذا تتلى } : خبره . والإشارة إلى المذكورين في السورة ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعلو رتبتهم وبُعد منزلتهم في الفضل ، و { من النبيين } : بيان للموصول ، و { من ذرية } : بدل منه بإعادة الجار ، و { سُجدًا وبُكيًّا } : حالان من الواو ، و { بكيًّا } : جمع باك ، كمساجد وسجود ، وأصله : بكوى ، فاجتمع الواو والياء ، وسُبق إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء ، وحركت الكاف بالكسر المجانس للياء . يقول الحقّ جلّ جلاله : { أولئك } المذكورون في السورة الكريمة هم { الذين أنعم الله عليهم } بفنون النعم الدينية والدنيوية ، { من النبيين من ذرية آدم } ، وهو إدريس عليه السلام ونوح ، { وممن حملنا مع نوحٍ } أي : ومن ذرية من حملناهم في السفينة ، وهو إبراهيم لأنه من ذرية سام بن نوح ، { ومن ذرية إبراهيم } ، وهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وقوله : { وإِسرائيلَ } أي : ومن ذرية إسرائيل ، وهو يعقوب ، وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ، وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية . { وممن هدينا } أي : ومن جملة من هديناهم إلى الحق واجتبيناهم إلى النبوة من غير هؤلاء . { إِذا تُتلى عليهم آياتُ الرحمن خَرُّوا سُجدًا وبُكيًّا } ، هذا استئناف لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له ، مع ما لهم من علو الرتبة وسمو الطبقة في شرف النسب ، وكمال النفس والزلفى من الله عزّ وجلّ ، أي : إذا تتلى عليهم ، آيات الرحمن ، إما عند نزولها عليهم ، أو بسماعها من غيرهم ، لحديث : " أحب أن أسمعه من غيري " ثم بكى صلى الله عليه وسلم عند قوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النِّساء : 41 ] فكان الأنبياء عليهم السلام مثله ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا ساجدين وباكين . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتْلُوا القُرْآنَ وابْكُوا ، فَإِنْ لمْ تَبْكُوا فَتَباكَوْا " وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ سورة مريم ، فسجد فيها ، فقال : هذا السجود ، فأين البكاء ؟ قال بعضهم : ينبغي أن يدعو الساجد في سجوده بما يليق بآيتها ، فهاهنا يقول : اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم ، المهديين الساجدين لك ، الباكين عند تلاوة آياتك . وفي الإسراء يقول : اللهم اجعلني من الخاضعين لوجهك ، المسبحين بحمدك ، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك ، وهكذا . والذي ورد في الخبر : يقول : " سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَه وصوَّره ، وشقَّ سمعَه وَبَصَرَه ، بحوله وقُوته ، اللهم اكتب لي بها أجرًا ، وضع عني بها وزرًا ، واجعلها لي عندك ذخرًا ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام " . والله تعالى أعلم . الإشارة : قد أثنى الله تعالى على هؤلاء السادات المُنعَم عليهم بكونهم إذا سمعوا كلام الحبيب خضعوا ورقَّت قلوبهم ، وهو أول درجة المحبة ، وفوقه الفرح بكلام الحبيب من مكان قريب ، وفوقه الفرح بشهود المتكلم ، وهنا ينقطع البكاء لدخول صاحب هذا المقام جنة المعارف ، وليس في الجنة بكاء . وأيضًا : من شأن القلب في أول أمره الرطوبة ، يتأثر بالواردات والأحوال ، فإذا استمر عليها اشتد وصلُب بحيث لا يؤثر فيه شيء من الواردات الإلهية . وفي هذا المعنى قال أبو بكر رضي الله عنه ، حين رأى قومًا يبكون عند سماع القرآن : كذلك كنا ثم قست القلوب ، فعبَّر عن تمكنه بالقسوة ، تواضعًا واستتارًا ، وإنما أثنى على هؤلاء السادات بهذه الخصلة لأنها سُلّم لما فوقها . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر أضدادهم فقال : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ … }