Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 81-84)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : واتخذ المشركون الأصنام { آلهةً } يعبدونها من دون الله { ليكونوا لهم عِزًّا } يوم القيامة ، ووصلة عنده يشفعون لهم ، { كلا } لا يكون ذلك أبدًا ، فهو ردع لهم عن ذلك الاعتقاد الباطل ، وإنكارٌ لوقوع ما علَّقوا به أطماعَهم ، { سيكفرون بعبادتهم } أي : تجحد الآلهة عبادتَهم لها ، بأن يُنطقهم الله تعالى وتقول ما عبدتمونا ، أو : سيكفر الكفرة عبادتهم لها حين شاهدوا سوء عاقبة عبادتهم لها ، كقوله : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعَام : 23 ] ، { ويكونون عليهم ضِدًا } أي : تكون الآلهة ، التي كانوا يرجون أن تكون لهم عزًا ، ضدًا للعز ، أي : ذلاً وهوانًا لأنهم تعززوا بمخلوق بسخط الخالق ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من طلب رضا المخلوق بمعصية الخالق عاد حامده من الناس ذامًّا " وتكون عونًا عليهم ، وآلة لعذابهم ، حيث تجعل وقود النار وحَصَب جهنم ، أو تكون الكفرة ضدًا وأعداء للآلهة ، كافرين بها ، بعد أن كانوا يُحبونها كحب الله ، ويعبدونها من دون الله ، وتوحيد الضد لتوحيد المعنى الذي عليه تدور مضادتهم ، فإنهم بذلك كشيء واحد ، كقوله عليه الصلاة والسلام : " وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ " . وسبب عبادتهم للأصنام تزيين الشيطان ، وَفَاء بقوله : { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الحِجر : 39 ] ، كما قال تعالى : { ألم تَرَ أنا أرسلنا الشياطينَ على الكافرين } أي : سلطهم عليهم ومكنهم من إغوائهم ، بقوله تعالى : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } [ الإسرَاء : 64 ] الآية . وهذا تعجيب لرسوله صلى الله عليه وسلم مما نطقت به الآيات الكريمة عن هؤلاء الكفرة ، العتاة المردة ، من فنون القبائح من الأقاويل والأفاعيل ، والتمادي في الغي ، والانهماك في الضلال ، والتصميم على الكفر ، من غير صارف يلويهم ، ولا عاطف يثنيهم ، وإجماعهم على مدافعة الحق بعد اتّضاحه ، وتنبيه على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم ، لا أن له مسوغًا في الجملة ، أي : ألم تر ما فعلت الشياطين بالكفرة حتى صدر منهم ما صدر من تلك القبائح والعظائم ، وليس المراد تعجيبه عليه السلام من مطلق إرسال الشياطين عليهم ، كما يوهمه تقليل الرؤية ، بل عما صدر عنهم من حيث إنها من آثار إغواء الشياطين ، كما ينبئ عنه قوله تعالى : { تَؤُزهُم أزًّا } أي : تغريهم وتهيجهم على المعاصي تهييجًا شديدًا ، بأنواع الوساوس والتسويلات . فالأز والاستفزاز أخوان ، معناهما : شدة الانزعاج ، وجملة { تؤزّهم } : حال مقدرة من الشياطين ، أو استئناف وقع جوابًا عن صدر الكلام ، كأنه قيل : ماذا تفعل بهم الشياطين ؟ قال : { تؤزّهم أزًّا } . { فلا تعجل عليهم } بأن يهلكوا حسبما تقتضي جناياتهم ويبيدوا عن آخرهم ، وتطهرُ الأرض من فسادهم ، { إِنما نعدّ لهم عَدًّا } أي : لا تستعجل بهلاكهم ، فإنه لم يبق لهم إلا أيام وأنفاس قلائل نعدها عدًا ، ثم نأخذهم أخذًا . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من اتخذ شيئًا يتعزز به من دون الله وطاعته انقلب عليه ذُلاً وهوانًا ، ولذلك قيل : " من تعزز بمخلوق مات عزه " . فإن أردت عزًا لا يفنى فلا تتعزز بعز يفنى ، وهو التعزز بالمال أو الجاه ، أو غير ذلك مما يفنى ، وسيأتي عند قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [ فاطر : 10 ] . { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنَافِقون : 8 ] زيادة بيان . وكما أرسل الحق تعالى الشياطين على الكافرين تزعجهم إلى المعاصي أرسل الملائكة والواردات الإلهية إلى المؤمنين تنهضهم إلى طاعة الله ، وتزعجهم إلى السير لمعرفة الله . فالملائكة تحرك العبد إلى الطاعة ، والواردات تزعجه إلى الحضرة ، تخرجه عن عوائده وتدمغ له مِن علائقه ، وعوائقه ، حتى ينفرد لحضرة الحق : وفي الحكم : " الوارد يأتي من حضرة قهار ، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } . وقال أيضًا : " متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " . وقال القشيري على قوله : { تؤزهم أزًّا } : أي : تزعجهم إزعاجًا ، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وظلمة ، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكون ، وهذه إحدى الفوارق بينهما . هـ . قلت : ومن الفوارق أيضًا : أن خاطر الحق لا يأمر إلا بالخير مع برودة وانشراح في القلب وسكون وأناة … وفي الحديث : " العجلة من الشيطان ، والآناة من الرحمن " هـ . بخلاف خاطر الشيطان فإنه لا يأمر إلا بالشر ، وقد يأمر بالخير إذا كان يجرُّ به إلى الشر ، وعلامته أن يكون فيه ظلمة ودَخن وعجلة وبطش ، وقد استوفى الكلام عليهم في النصيحة الكافية . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر قال فريق الإيمان وفريق الضلال