Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 97-98)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الفاء لتعليل أمر ينساق إليه النظم الكريم ، كأنه قيل - بعد إيحاء السورة الكريمة - : بلغ هذا المنزّل عليك ، وبشر به ، وأنذر فإنما يسرناه … الخ ، قاله أبو السعود . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فإِنما يسرناه } أي : القرآن { بلسانك } بأن أنزلناه على لغتك ، والباء بمعنى " على " وقيل : ضَمَّنَ التيسيرَ معنى الإنزال ، أي : يسرنا القرآن وأنزلناه بلغتك { لتُبشّر به المتقين } أي : السائرين إلى التقوى بامتثال ما فيه من الأمر والنهي ، { وتُنذرَ به } أي : تخوف به { قومًا لُدًّا } لا يؤمنون به ، لجاجًا وعنادًا ، واللُّدُّ : جمع أَلَد ، وهو الشديد الخصومة ، اللجوج المعاند . { وكم أهلكنا قَبْلَهم من قَرنٍ } أي : كثيرًا من القرون الماضية أهلكنا قبل هؤلاء المعاندين ، فهو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر على الكفرة ووعيد لهم بالهلاك ، وحث له صلى الله عليه وسلم على الإنذار ، أي : دُم على إنذارك لهم ، فسيهلكون كما أهلكنا من قبلهم من القرون ، { هل تُحِسُّ منهم أحدٍ } أي : هل تشعر بأحد منهم ، وترى له من باقية { أو تَسْمَعُ لهم رِكْزًا } أي : صوتًا خفيًا ، هيهات قد انقطع دابرهم وهدأت أصواتهم ، وخربت قصورهم وديارهم ، وكذلك نفعل بغيرهم ، والمعنى : أهلكناهم بالكلية ، واستأصلناهم بحيث لا يُرى منهم أحد ، ولا يسمع لهم صوت خفي ولا جلي . وجملة : { هل تحس } : استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، وأصل الرِّكز : الخفاء ، ومنه : رَكَزَ الرمحَ إذا غيب طَرفه في الأرض ، والرِّكاز : المال المدفون المخفي . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما أنزل الله القرآن وسهله على عباده إلا ليقع به الوعظ والتذكير ، فأمر اللهُ رسوله في حياته بالبشارة والإنذار به ، وبقي الأمر لخلفائه ، فالواجب على العلماء والأولياء أن يتصدوا للوعظ والتذكير ، ولا يكفي عنه تعليم رسوم الشريعة ، فإن الوعظ إنما هو التخويف والتبشير ، كما قال تعالى : { لتُبشر به المتقين وتُنذر به قومًا لُدًّا } . لكن لا يتصدى للوعظ إلا من له نور يمشي به في الناس ، فيسبقه نورُ قلبه إلى القلوب المستمعة ، فيقع كلامهم في قلوب السامعين . قال في الحكم : " تسبق أنوارُ الحكماء أقوالَهم ، فحيثما صار التنوير وصل التعبير " . هذا النور هو نور المعرفة الذي هي مقام الفناء ، ويشترط فيه أيضًا : أن يكن مأذونًا له في الكلام من شيخ كامل ، أو وحي إلهامي حقيقي ، فحينئذ يقع كلامه في مسامع الخلق . وفي الحكم : " من أُذن له في التعبير حسنت في مسامع الخلق عبارته ، وجُليت إليهم إشارته " . وقال أيضًا : " ربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار ، إذا لم يؤذن لك فيها بالإظهار " . وفي أمثال هؤلاء المتصدين للوعظ والتذكير ورد الخبر القدسي : " إنَّ أودَّ الأوِدَّاءِ إليّ من يُحببني إلى عبادي ، ويُحبب عبادي إليّ ، ويمشون في الأرض بالنصيحة " … جعلنا الله من خواصهم بمنِّه وكرمه آمين . وصلَّى اللهُ على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلَّم تسليمًا .