Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 96-96)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : لما استحقر الكفرةُ أحوالَ المؤمنين حتى قالوا : { أينا خير مقامًا وأحسن نديًّا } ، أخبر الله تعالى المؤمنين وبشرهم أنهم سيعزهم ويلقى مودتهم في قلوب عباده . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إِنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعلُ لهم الرحمن } في قلوب الناس مودة وعطفًا ، حتى يحبهم كل من سمع بهم ، فيحبهم ويحببهم إلى عباده من أهل السماوات والأرض ، أي : سيحدث لهم في القلوب مودةً من غير تعرض لأسبابها ، سوى ما لهم من الإيمان والعمل الصالح ، أو { وُدًّا } فيما بينهم ، فيتحابون ويتواددون ويحبهم الله . قال القشيري : يجعل في قلوبهم ودًّا لله ، وهو نتيجة أعمالهم الخالصة ، وفي الخبر : " لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى يحبني وأحبه " . والتعرض لعنوان الرحمانية لِمَا أنَّ الموعود من آثارها ، وأن مودتهم رحمة بهم وبمن أحبهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنه : " قل اللهُمَّ اجْعَلْ لِي عِنْدكَ عَهْدًا ، واجعل لِي في صُدُورِ المؤمِنِينَ مَوَدَّةً " فنزلت الآية . وفي حديث البخاري وغيره : " إِذا أحَبَّ اللهُ عبدًا قال لجبْريل : إني أُحبُ فُلانًا فأَحِبَّهُ ، فَيُحِبُّهُ جَبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادي في أَهْلِ السَّماءِ إنَّ اللهَ قَدْ أحَبَّ فُلانًا فأَحبُّوهُ ، فَيُحبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يَضع لَهُ المحبة فِي الأرْض " . وقال قتادة : { سيجعل لهم الرحمن ودًا } قال : أي والله ودًا في قلوب أهل الإيمان . وإن هرم بن حيان يقول : ما أقبل عبدٌ بقلبه على الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم . قلت : ولفظ الحديث : " ما أقْبَلَ عبدٌ بقلْبهِ إلى اللهِ عزّ وجلّ إلا جَعلَ الله قلوبَ المؤمنينَ تَفِدُ إليه بالودِّ والرحمَةِ ، وكان الله إليه بكل خيرٍ أسرَعَ " نقله في الترغيب . وفي حديث آخر : " يُعطى المؤمنُ ودًّا في صدور الأبرار ، ومهابة في صدور الفجار " فَتَوَدُّد الناس للعبد دليل على قبوله عند مولاه . أنتم شهداء الله في أرضه . وفي بعض الأثر : " لا يموت العبد الصالح حتى يملأ مسامعه مما يُحب ، ولا يموت الفاجر حتى يملأ مسامعه مما يكره " . بالمعنى . وأتى الحقّ جلّ جلاله بالسين لأن السورة مكية ، وكانوا إذ ذلك ممقوتين عند الكفرة ، فوعدهم ذلك ، ثم أنجزه لهم حين جاء الإسلام ، فعَزوا وانتصروا ، وتعشقت إليهم قلوب الخلق من كل جانب ، كما هو مسطر في تواريخهم . وقيل : الموعود في القيامة ، حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد كأنها أنوار الشمس الضاحية ، ولعل إفراد هذا بالوعد من بين ما لهم من الكرامات السنية لأن الكفرة سيقع بينهم يومئذ تقاطع وتباغض وتضاد . والله تعالى أعلم . الإشارة : سُنَّة الله تعالى في أوليائه ، في حال بدايتهم ، أن يُسلط عليهم الخلق ، وينزل عليهم الخمول والذل بين عباده ، حتى يمقتهم أقرب الناس إليهم ، رحمة بهم واعتناء بقلوبهم لئلا تسكن إلى غيره . قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا … الخ . فإذا تطهروا من البقايا وكملت فيهم المزايا ، وتمكنوا من معرفة الحق ، أعزهم وألقى مودتهم في قلوب عباده ، هذا دأبه معهم في الغالب ، وقد يحكم على بعضهم بالخمول حتى يلقاه على ذلك ، ولا يكون ذلك نقصًا في حقه بل كمالاً ، وهم شهداء الملكوت ، لم يأخذوا من أجرهم شيئًا . والله تعالى أعلم . ولما ختم السورة الكريمة أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بتبليغها