Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 100-100)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف تقديره : أَكفروا بالآيات وكلما عاهدوا عهداً ، و { كُلَّمَا } منصوب على الظرفية ، وهي متضمنة معنى الشرط فتفتقر للجواب ، وهو العامل فيها . والنبذ : الطرح ، لكنه يغلب فيما ينسى ، قاله البيضاوي . يقول الحقّ جلّ جلاله : في شأن اليهود والإنكار عليهم : { أَوَ كُلَّمَا } أعطوا عهداً وعقدوه على أنفسهم طرحه { فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } ؟ فقد أعطوا العهد أنهم إن أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ولينصرنه ، فلما أدركوه نبذوا ذلك العهد ونسوه . وكذلك أعطوا العهد للنبيَ صلى الله عليه وسلم ألا يعاونوا المشركين عليه ، فنبذه بنو قريظة والنضير ، ولم ينقضه جميعهم بل فريق منهم ، وهم الأكثر ، ولذلك قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } ، فالأكثر هم الناقضون للعهود ، المجاوزون للحدود . والله تعالى أعلم . الإشارة : نقض العهد مع الله أو مع عباده من علامة النفاق ، ومن شيم أهل البعاد والشقاق ، والوفاء بالعهد من علامة الإيمان ، ومن شيم أهل المحبة والعرفان . قال تعالى في صفة المفلحين : { وَالَّذِينَ هُمْ لأَمانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [ المؤمنون : 8 ] ، ولا سيما عهود الشيوخ أهل التمكين والرسوخ ، فمن أخذ عقد الصحبة مع الشيخ الذي هو أهل للتربية فيحذر مِنْ حَلّ العقدة بينه وبينه ، فإنَّ ذلك يقطع الإمداد ، ويوجب الطرد والبعاد ، والالتفات إلى غيره تسويس لبذرة الإرادة ، وموجب لقطع الزيادة والإفادة ، ثم إن الانجماع على الشيخ ، وقطع النظر والالتفات إلى غيره هو سبب للكون - كذلك - مع الله ، فبقدر الانقطاع إلى الشيخ يحصل الانقطاع إلى الله ، وبقدر ترك الاختيار وسلب الإرادة مع الشيخ يحصل كذلك مع الله ، وبقدر الوفاء بعهود شيوخ التربية يحصل الوفاء بعهود حقوق الربوبية . فمن كانت غيبته في الشيخ أقوى ، وانحياشه أليه أكثر ، وجمعه عليه أدوم ، كان كذلك مع ربه ، وكذلك التعظيم والأدب ، والله يعامل العبد على حسب ذلك . قال الشيخ زَرُّوق رضي الله عنه : ولا تنتقلْ عنه ، ولو رأيت من هو أعلى منه ، فتحرمَ بركة الأول والثاني ، ولذلك كان المشايخ يمنعون أصحابهم من صحبة غيرهم ، بل من زيارتهم ، وأنشدوا : @ خُذْ مَا تَراهُ ودَعْ شَيْئاً سَمِعتَ بِهِ في طلْعَةِ البدرِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِ @@ وحاصل أمر الزيارة لغير شيخه أن فيه تفصيلاً : فمن كَمُل صدقه ، وتوفر عقله ، بحيث إذا زار لا يستنقص شيخه ، ولا الذي زاره ، جاز له أن يزور من شاء ، ومن لم يكمل صِدقُهُ وعقله ، بحيث إذا زار : إما يستنقص شيخه ، أو الشيخ الذي زاره ، فليكف عن زيارة غير شيخه . وقال محيي الدين بن العربي : ويجب على المريد أن يعتقد في شيخه أنه عالم بالله ، ناصح لخلق الله ، ولا ينبغي له أن يعتقد في شيخه العصمة . وقد قيل للجنيد : أيزني العارف ؟ فقال : { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } [ الأحزَاب : 38 ] . وصحب تلميذ شيخاً ، فرآه يوماً قد زنا بامرأة ، فلم يتغير من خدمته ، ولا أخلّ في شيء من مرسومات شيخه ، ولا ظهر منه نقص في احترامه . وقد عرف الشيخ أنه رآه ، فقال له يوماً : يا بني قد عَرَفْتُ أنك رأيتني حين فسقتُ بتلك المرأة ، وكنت أنتظر فراقك عني من أجل ذلك : فقال له التلميذ : يا سيدي الإنسان معرض لمجاري أقدار الله عليه ، وإني من الوقت الذي دخلت فيه إلى خدمتك ما خدمتك على أنك معصوم ، وإنما خدمتك على أنك عارف بطريق الله تعالى ، عارف بكيفية السلوك عليه الذي هو طلبي ، وكونك تعصي أو لا تعصي شيء بينك وبين الله عزّ وجلّ ، لا يرجع من ذلك شيء عَلَيَّ ، فما وقع منك يا سيدي شيء لا يوجب نفاري وزوالي عنك ، وهذا هو عَقْدي ، فقال له الشيخ : وفقت وسعدت هكذا وإلا فلا … فربح ذلك التلميذ ، وجاء منه ما تَقَرُّ بِهِ العين من حسن الحال وعُلوِّ المقام . هـ .