Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 11-12)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إذا } ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه ، أي : قالوا نحن مصلحون ، وقت قول القائل لهم : لا تفسدوا ، والجملة بيان وتقرير لخداعهم ، أو معطوفة على { مَن يَقُولُ ءَامَنَّا } [ البقرة : 8 ] ، أي : ومن الناس فرقة إذا قيل لهم : لا تفسدوا ، قالوا : إنما نحن مصلحون . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وَإذَا قيل } لهؤلاء المنافقين : { لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } بالمعاصي والتعويق عن الإيمان ، وإغراء أهل الكفر والطغيان على أهل الإسلام والإيمان ، وتهييج الحروب والفتن ، وإظهار الهرج والمرج والمحن ، وإفشاء أسرار المسلمين إلى أعدائهم الكافرين ، فإن ذلك يؤدي إلى فساد النظام ، وقطع مواد الإنعام ، { قَالُوا } في جوابهم الفاسد : { إنما نحن مصلحون } في ذلك ، فلا تصح مخاطبتنا بذلك ، فإن من شأننا الإصلاح والإرشاد ، وحالنا خالص من شوائب الفساد ، قال تعالى : { ألا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ } هنالك ، ولكن لا شعور لهم بذلك . قلت : فردّ الله ما ادعوه من الانتظام في سلك المصلحين بأقبح رد وأبلغه ، من وجوه الاستئناف الذي في الجملة ، والاستفتاح بالتنبيه ، والتأكيد بإن وضمير الفعل ، وتعريف الخبر ، والتعبير بنفي الشعور ، إذ لو شعروا أدنى شعور لتحققوا أنهم مفسدون . وهذه الآية عامة لكل مَن اشتغل بما لا يعنيه ، وعوق عن طريق الخصوص ، ففيه شعبة من النفاق ، وفي صحيح البخاري : " ثَلاثٌ من كُنَّ فِيهِ كان مُنَافِقاً خالِصاً : إذا حَدَّثَ كَذَبَ ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وإذا أوْتُمِنَ خانَ " . الإشارة : وإذ قيل لمن يشتغل بالتعويق عن طريق الله والإنكار على أولياء الله : أقصر من هذا الإفساد ، وارجع عن هذا الغي والعناد ، فقد ظهرت معالم الإرشاد لأهل المحبة والوداد . قال : إنما أنا مصلح ناصح ، وفي أحوالي كلها صالح ، يقول له الحق جلّ جلاله : بل أفسدت قلوب عبادي ، ورددتهم عن طريق محبتي وودادي ، وعوقتهم عن دخول حضرتي ، وحرمتهم شهود ذاتي وصفاتي ، سددت بابي في وجه أحبابي ، آيستهم من وجود التربية ، وتحكمت على القدرة الأزلية ، ولكنك لا تشعر بما أنت فيه من البلية . ولقد صدق من سبقت له العناية ، وأُتحف بالرعاية والهداية ، حيث يقول : @ فَهَذِهِ طريقَةُ الإشْرَاقِ كَانَتْ وتَبْقَى ما الوُجُودُ بَاقِ @@ وقال أيضاً : @ وأَنْكَرُوهُ مَلاٌ عَوَامٌ لَمْ يَفْهَمُوا مَقْصُودَهُ فَهَامُوا @@ فَتُبْ أيها المذكر قبل الفوات ، واطلب من يأخذ بيدك قبل الممات ، لئلا تلقى الله بقلب سقيم ، فتكون في الحضيض الأسفل من عذابه الأليم ، فسبب العذاب وجود الحجاب ، وإتمام النعيم النظر لوجهه الكريم ، منحنا الله منه الحظ الأوفى في الدنيا والآخرة . آمين .