Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-10)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { من } موصوفة مبتدأ ، والخبر مقدم ، أي : ومن الناس ناس يقولون كذا ، والمخادعة : إظهار خلاف ما يخفي من المكروه ، وأصل الخدع : الإخفاء ، ومنه المخدع للبيت الذي يخبأ فيه المتاع . وقيل : الفساد لأن المنافقين يفسدون إيمانهم بما يُخْفُون ، وجملة { وما يشعرون } حالية ، أي : غير شاعرين ، والشعور : التفطن ، وفعله من باب كَرُمَ ونَصَرَ . وليت شعري : أي : ليت فطنتي تدرك هذا ، وجملة { في قلوبهم مرض } تعليلية للمخادعة ، والمرض : الضعف والفتور ، وهو هنا مرض القلوب بالشك والنفاق . والعياذ بالله . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وَمِنَ النَّاسِ } مَن هم مغموص عليهم بالنفاق كبعض اليهود والمنافقين ، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، يقولون : { آمَنَّا بِاللَّهِ وبِاليَومِ الآخِر } وما هُم في عداد المؤمنين ، { يُخَادِعُونَ } بزعمهم { اللَّهَ وّالَّذينَ آمَنُوا } بما يظهرون من الإيمان ، { وَمَا يَخْدَعُونَ } في الحقيقة { إلاَّ أَنفُسَهُمْ } لأن وبال خداعهم راجع إليهم ، { وَمَا يَشْعُرُونَ } أن خداعهم وبال عليهم ، وإنما حصلت لهم هذه المخادعة لأن { في قُلُوبِهِم } مرضاً من الشك والحسد ، فقلوبهم مذبذبة ، وأنفسهم مغمومة ، { فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً } على مرضهم بما ينزل عليهم من الآيات التي تفضحهم ، { وَلَهُمْ } في الآخرة - إذا قدموا على الله - { عَذَابٌ } موجع بسبب تكذيبهم رسول الله أو كذبهم على الله . هذا مُضَمَّنُ الآية . افتتح الحق - جلّ جلاله - بذكر الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم ، ثم ثنى بالكافرين الذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً ، ثم ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وهم أخبث الكفرة لأنهم خلطوا بالكفر استهزاء وخداعاً ، ولذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار . الإشارة : ومن الناس مَن يترامى بالدعوى على الخصوصية ، ويدعي تحقيق مشاهدة الربوبية ، وهو في الدرك الأسفل من العمومية ، يظهر خلوص الإيمان وتحقيق العرفان ، وهو في أودية الشكوك والخواطر حيران ، وفي فيافي القطيعة والفَرْقِ ظمآن ، لسانه منطلق بالدعوى ، وقلبه خارب من الهدي ، يخادع الله بالرضا عن عيوبه ومساوئه ، ويخادع المسلمين بتزيين ظاهره ، وباطنه معمور بحظوظه ومهاويه ، يتزيى بِزِيِّ العارفين ويتعامل معاملة الجاهلين ، ويصدق عليه قول القائل : @ أمَّا الخِيَامُ فَإنَّها كخِيَامهمْ وأَرَى نِسَاءَ الحيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا @@ وما يخادع في الحقيقة إلا نفسه ، حيث حرمها الوصول ، وتركها في أودية الأكوان تجول ، قلبه بمرض الفرق والقطعية سقيم ، وهو يظن أنه في عداد مَن يأتي الله بقلب سليم ، فزاده الله مرضاً على مرضه حيث رضي بسقمه وعيبه ، وله عذاب الحرص والتعب في ضيق الحجاب والنصب بسبب كذبه على الله ، وإنكاره على أولياء الله ، فجزاؤه البعد والخذلان ، وسوء العاقبة والحرمان ، عائذاً بالله من المكر والطغيان .