Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 136-138)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الأسباط : الأحفاد ، والسِّبطُ في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل ، والباء في { بمثل } : يحتمل أن تكون زائدة كقوله تعالى : { جَزَآءُ سَيِّئَةِ بِمِثْلِهَا } [ يونس : 27 ] ، أو { مثل } مُقْحَم ، أي : فإن آمنوا بما آمنتم به ، كقوله تعالى : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } [ الأحقاف : 10 ] . والشقاق : المخالفة ، كأن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر ، و { صبغة الله } : مصدر مؤكد لآمنا لأن الإيمان ينصبغ في القلوب ، ويظهر أثره على الجوارح ظهور الصبغ على المصبوغ ، ويتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ للثوب . أي : آمنا وصبغنا الله به صبغة . وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وعبَّر عنها بالصبغ للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ، ويقولون : هو تطهير لهم ، وبه تحق نصرانيتهم ، فردَّ الله تعالى عليهم بأن صبغة ، الله أحسن من صبغتهم وقيل : نصب على البدل من { ملة إبراهيم } ، أو على الإغراء ، أي : الزموا صبغة الله . يقول الحق جلّ جلاله : { قولوا } يا معشر المسلمين في تحقيق إيمانكم : { آمنا بالله } أي : صدقنا بوجوده متصفاً بصفة الكمال ، منزّهاً عن النقائص ، { و } بما { أُنزل إلينا } وهو القرآن ، { و } بما { أُنزل } من الصحف { إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب } ولد إسحاق ، { والأسباط } أولاد يعقوب عليه السلام وهم : روبيل وشمعون ولاوى ويهوذا وربالون ويشحُرْ ، ودنية بنته ، وأمهم لَيَا ، ثم خلف على أختها راحيل ، فولدت له يوسف وبنيامين ، وَوُلد له من سرِّيَّتينِ : دان ونفتالى وجاد وآشر . قال ابن حجر : اختلف في نبوتهم ، فقيل : كانوا أنبياء ، وقيل : لم يكن فيهم نبيّ ، وإنما المراد بأسباط قبائل من بني إسرائيل ، فقد كان فيهم من الأنبياء عدد كثير . هـ . وممن صرّح بنفي نبوتهم عياض وجمهور المفسرين . انظر : المحشي الفاسي . وقولوا : آمنا بما أنزل إلى { موسى } وهو التوراة ، { وعيسى } وهو الإنجيل ، وبما { أوتي النبيون } كلهم { من ربهم } من عرفنا منهم ومن لم نعرف ، { لا نفرق بين أحد } واحد { منهم } كما فرقت اليهود والنصارى ، فقد آمنا بالله وبجميع أنبيائه { ونحن له مسلمون } أي : منقادون لأحكامه الظاهرة والباطنة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فإن آمنوا } أي : أهل الكتاب إيماناً مثل إيمانكم ، { فقد اهتدوا } إلى الحق والصواب ، وإن أعرضوا عن ذلك فاتركهم حتى نأمرك فيهم ، { فإنما هم في شقاق } وخلاف لك ، فلا تهتم بشأنهم ، { فسيكفيكهم الله } أي سيكفيك شرهم وينصرك عليهم ، { وهو السميع } لدعائكم ، { العليم } بإخلاصكم ، فالزموا { صبغة الله } التي صُبغتم بها ، هي الإيمان بما ذكرت لكم فإنه لا أحسن صبغة من صبغة الله ، { و } قولوا : { نحن له عابدون } . الإشارة : كما أوجب الله تعالى الإيمان بجميع الرسل في طريق العموم ، كذلك أوجب الله التصديق بكل من ثبتت ولايته في طريق الخصوص ، فمن فرق بينهم فقد كفر بطريقهم ، ومن كفر بطريقهم طُرد عن بابهم ، ومن طرد عن بابهم طرد عن باب الله ، لأن إسقاطه من الولاية إيذاء له ، ومن آذى ولياً فقد آذن الله بالحرب ، فالواجب ، على مَن أراد أن يرد مناهلهم ، أن يصدق بجميعهم ، ويعظم من انتسب إليهم ، حتى تتصبغ في قلبه حلاوة الإيمان ، وتشرق عليه شموس العرفان ، فمن فعل هذا فقد اهتدى إلى الحق والصواب ، واستحق الدخول مع الأحباب ، ومن أعرض عن هذا فإنما هو في شقاق ، وربما يخاف عليه من شؤم الكفر والنفاق ، فسيكفي الله أولياءه سوءَ شره ، والله غالب على أمره . قال القشيري : فللقلوب صبغة ، وللأرواح صبغة ، وللسرائر صبغة ، وللظواهر صبغة ، فصبغة الأشباح والظواهر بآثار التوفيق ، وصبغة الأرواح والسرائر بأنوار التحقيق . هـ . وقال الورتجبي : صبغة الله : صفته الخاصة التي خلق آدم عليها ، وأورثت ذلك في أرواح ذريته من الأنبياء والأولياء . ثم قال : وسقاها من شراب الزلفة ، وألهمها خصائص علوم الربوبية ، فاستنارت بنور المعرفة ، وخاضت في بحر الربوبية ، وخرجت منها تجليات أسرار الوحدانية ، وتكوّنت بصبغ الصفات . هـ . وبالله التوفيق .