Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 139-141)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الذي يظهر أن { أم } منقطعة ، بمعنى بل ، على قراءة الخطاب والغيبة لأن المقصود إنكار وقوع الأمرين معاً ، لا أحدهما . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } يا محمد لأهل الكتاب : أتخاصموننا { في الله } وتقولون : أنتم أولى به منا { وهو ربنا وربكم } ، لا يختص به واحد دون آخر ، { ولنا أعمالنا } نتقرب بها إليه ، { ولكم أعمالكم } تتقربون بها أيضاً ، فكيف تختصون به دوننا { ونحن له مخلصون } في أعمالنا وقلوبنا دونكم فإنكم أشركتم به غيره ، فإن قلتم : إن الإنبياء كلهم منكم وعلى ملتكم فقد كذبتم ، أتقولون { إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب } وأولاده { الأسباط كانوا هوداً } على دينكم يا معشر اليهود ، { أو نصارى } على ملتكم يا معشر النصارى . { قل } لهم يا محمد : { أأنتم أعلم أم الله } وقد نفى الأمرين معاً عن إبراهيم فقال : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِمَاً } [ آل عِمران : 67 ] ، وقال : { وَمَآ أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } [ آل عِمرَان : 65 ] ، وهؤلاء المعطوفون عليه : أتباعه في الدين ، فليسوا يهوداً ولا نصارى ، فكيف تدعون أنهم كلهم منكم ، وعلى دينكم ، وأنتم تشهدون أنهم لم يكونوا على دينكم ؟ { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } ، وهي شهادة الحق لإبراهيم بالحنيفية ، والبراءة من اليهودية والنصرانية ، أي : لا أحد أظلم منه ، وليس الله تعالى { بغافل عما تعملون } ، بل يجازيكم على النقير والقطمير ، فإن اعتمدتم على نسبكم إليهم فقد اغتررتم . { تلك أمة } قد مضت ، { لها ما كسبت } لا ينتفع به غيرها ، { ولكم ما كسبتم } لا ينفعكم غيره ، ولا تسألون عن عملهم كما لا يسألون عن أعمالكم ، قال البيضاوي : كرره للمبالغة في التحذير ، والزجر عما استحكم في الطباع من الافتخار بالآباء ، والاتكال عليهم ، وقيل : الخطاب فيما سبق لهم ، وفي هذه الآية لنا ، تحذيراً عن الاقتداء بهم ، وقيل : المراد بالأمة في الأولى الأنبياء ، وفي الثانية أسلاف اليهود والنصارى . هـ . الإشارة : كل من أقامه الحقّ في وجهه ، ووجهه إليها ، فهو عامل لله فيها ، قائم بمراد الله منها ، وما اختلفت الأعمال إلى من جهة المقاصد ، وما تفاوت الناس إلى من جهة الإخلاص . فالخلق كلهم عبيد للملك المجيد ، وما وقع الاختصاص إلا من جهة الإخلاص . فمن كان أكثر إخلاصاً لله كان أولى من غيره بالله ، وبقدر ما يقع للعبد من الصفاء يكون له من الاصطفاء ، فالصوفية والعلماء والعباد والزهاد وأهل الأسباب على اختلاف أنواعهم كلهم عاملون لله ، ليس أحد منهم بأولى من غيره بالله إلا من جهة الإخلاص وإفراد القلب لله ، فمن ادعى الاختصاص بالله من غير هذه الوجهة فهو كاذب ، ومن اعتمد على عمل غيره فهو مغرور ، يقال له : { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون } . ولمّا أراد الله تعالى أن ينسخ القبلة من جهة الشام ويردها إلى الكعبة ، أخبر أنه سيكرها قومٌ خَفَّتْ أحلامُهم ، وفسدت بالتقليد الردي عقولُهم ، وهم أحبار اليهود والمنافقون والمشركون .