Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 14-16)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : اللقاء : المصادفة بلا قصد ، والخلو بالشيء أو معه : الانفراد به ، ضمنه هنا معنى رجع ، ولذلك تعدَّى بإلى ، والشيطان فَيْعَالٌ ، من شَطَنَ ، إذا بعد ، أو فَعْلاَن من شاط ، إذا بطل ، والاستهزاء بالشيء : الاستخفاف بحقه ، والعَمَهُ في البصيرة كالعمى في البصر . يقول الحقّ جلّ جلاله : في وصف المنافقين تقريراً لنفاقهم : إنهم كانوا { إذَا لَقُوا } الصحابة أظهروا الإيمان ، وإذا رجعوا { إلَى شَيَاطِينِهِمْ } أي : كبرائهم المتمردين في الكفر والطغيان ، { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ } لم نخرج عن ديننا { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } بهم ، ومستسخرون بشأنهم ، نزلت في عبد الله بن أُبَيّ - رأس المنافقين - كان إذا لقي سعداً قال : نعم الدين دين محمد ، وإذا خلا برؤساء قومه من أهل الكفر ، شدوا أيديكم على دين آبائكم . وخرج ذات يوم مع أصحابه فاستقبلهم نفر من الصحابة - رضوان الله عليهم - فقال عبدُ الله لأصحابه : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فأخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه فقال : مرحباً بالصدِّيق سيد بني تيم ، وشيخ الإسلام ، وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بيد عمر ، فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب ، الفاروق ، القوي في دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بيد عَلِيّ فقال : مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخِتِنِه ، سيد بني هاشم ، ما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليّ رضي الله عنه : يا عبد الله ، اتق الله ولا تنافق ، فإن المنافقين شرُّ خليقة الله ، فقال عبد الله : مهلاً يا أبا الحسن ، أنى تقول هذا ؟ والله إن إيماننا كإيمانكم ، وتصديقنا كتصديقكم ، فنزلت الآية . ثم ردّ الله تعالى عليهم فقال : { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } أي : يفعل بهم فعل المستهزئ بأن يفتح لهم باباً إلى الجنة وهم في النار ، ويطلع المؤمنين عليهم ، فيقول لهم : ادخلوا الجنة ، فإذا جاءوا يستبقون إليها وطمعوا في الدخول ، سُدَّتْ عليهم ورجعوا إلى النار ، { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [ المطفّفِين : 34 ] الآية . { وَيَمُدُّهُمْ } أي : يمهلهم { فِي } كفرهم ، و { طُغْيَانِهِمْ } يتحيرون إلى يوم يبعثون لأنهم { اشْتَرُوا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى } أي : استبدلوا بها رأس مالهم ، فضلاً عن الربح ، إذ الإيمان رأس المال ، وأعمال الطاعات ربح ، فإذا ذهب الرأس فلا ربح ولذلك قال تعالى : { فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ } ، بل خسرت صفقتهم ، { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } إلى أسباب الربح أبداً ، لاستبدالهم الهدى - التي هي رأس المال - بالضلالة - التي هي سبب الخسران . وبالله التوفيق . وها هنا استعارات وبلاغات يطول سردها ، إذ مرادنا تربية اليقين بكلام رب العالمين . الإشارة : الناس في طريق الخصوص على أربعة أقسام : قسم : سبقت لهم من الله العناية ، وهبت عليهم ريح الهداية : فصدقوا ودخلوا فيها ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله ، فَتَجِرُوا فيه وربحوا ، فعوّضهم الله تعالى جنة المعارف ، يتبوؤون منها حيث شاءوا ، فإذا قدموا عليه أدخلهم جنة الزخارف ، يسرحون فيها حيث شاءوا ، وأتحفهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم . وقسم : سبقت لهم من الله الهداية ، وحفتهم الرعاية ، فصدقوا وأقروا ، ولكنهم ضعفوا عن الدخول ، ولم تتعلق همتهم بالوصول ، فبقوا في ضعفاء المسلمين { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ … } [ التّوبَة : 91 ] . وقسم : أنكروا وأظهروا وجحدوا وكفروا ، فتجروا وخسروا ، " مَنْ عَادَى لي وَلِياً فقَد آذنْتُهُ بالْحَربِ " . وقسم رابع : هم مذبذبون بين ذلك إذا لقوا أهل الخصوصية قالوا : آمنا وصدقنا فأنتم على الجادة ، وإذا رجعوا إلى أهل التمرد من المنكرين - طعنوا وجحدوا ، وقالوا : إنما كنا بهم مستهزئين ، { الله يستهزئ بهم } بما يظهر لهم من صور الكرامات والاستدراجات ، ويمدهم في تعاطي العوائد والشهوات ، وطلب العلو والرئاسات ، متحيرين في مهامه الخواطر والغفلات ، { أولئك الذي اشتروا الضلالة } عن طريق الخصوص من أهل الوصول ، { بالهدى } الذي كان بيدهم ، لو حصل لهم التصديق والدخول ، فما ربحوا في تجارتهم ، وما كانوا مهتدين إلى بلوغ المأمول . قال بعض العارفين : التصديق بطريقتنا ولاية ، والدخول فيها عناية ، والانتقاد عليها جناية . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .