Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 17-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { استوقد } يحتمل أن تكون للطلب ، أو زائدة بمعنى أوقد ، و { لما } شرطية ، و { ذهب } جواب ، وإذا كان لفظ الموصول مفرداً واقعاً على جماعة ، يصح في الضمير مراعاة لفظه فيفرد ، ومعناه فيجمع ، فأفرد في الآية أولاً ، وجمع ثانياً ، ويقال : أضاء يضيء إضاءة ، وضَاء يضُوء ضَوْءاً . يقول الحقّ جلّ جلاله : مثل هؤلاء المنافقين من اليهود { كَمَثَلِ } رجل في ظلمة ، تائه في الطريق ، فاستوقد ناراً ليبصر طريق ، فاستوقد ناراً ليبصر طريق القصد { فَلَمَّا } اشتغلت و { أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } فأبصر الطريق ، وظهرت له معالم التحقيق ، أطفأ الله تلك النار وأذهب نورها ، ولم يبق إلا جمرها وحرّها . كذلك اليهود كانوا في ظلمة الكفر والمعاصي ينتظرون ظهور نور النبيّ صلى الله عليه وسلم ويطلبونه ، فلما قدم عليهم ، وأشرقت أنواره بين أيديهم كفروا به ، فأذهب الله عنهم نوره ، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } الكفر والشك والنفاق ، { لاَّ يُبْصِرُونَ } ولا يهتدون ، { صُمٌّ } عن سماع الحق ، { بُكْمٌ } عن النطق به { عُمْي } عن رؤية نوره ، { فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ } عن غيّهم ، ولا يقصرون عن ضلالتهم . الإشارة : مَثَلُ مَنْ كان في ظلمات الحجاب قد أحاطت به الشكوك والارتياب ، وهو يطلب من يأخذ بيده ويهديه إلى طريق رشده ، فلما ظهرت أنوار العارفين ، وأحدقت به أسرار المقربين ، حتى أشرقت من نورهم أقطارُ البلاد ، وحَيِيَ بهم جلّ العباد ، أنكرهم وبعد منهم ، فتصامم عن سماع وعظهم ، وتباكَمَ عن تصديقهم ، وعَمِيَ عن شهود خصوصيتهم ، فلا رجوع له عن حظوظه وهواه ، ولا انزجار له عن العكوف على متابعة دنياه ، مثله كمن كان في ظلمات الليل ضالاً عن الطريق ، فاستوقد ناراً لتظهر له الطريق ، فلما اشتعلت وأضاءت ما حوله أذهب الله نورها ، وبقي جمرها وحرّها ، وهذه سنة ماضية : لا ينتفع بالولي إلا مَن كان بعيداً منه . وفي الحديث : " أزْهَدُ النَّاسِ في العَالِم جيرانُه " ، وقد مَثَّلُوا الولي بالنهر الجاري كلما بَعُدَ جَرْيُه عَمَّ الانتفاعُ به ، ومثَّلوه أيضاً بالنخلة لا تُظِلُّ إلا عن بُعْد . والله تعالى أعلم .