Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-20)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أو } للتنويع ، أو بمعنى الواو ، و { الصيب } : المطر ، فَيْعِلٌ ، من صاب المطر إذا نزل ، وهو على حذف مضاف ، أي : أو كذي صيب ، وأصله : صيوب ، كسيد ، قلبت الواو ياء وأدغمت ، ولا يوجد هذا إلا في المعتل كميت وهين وضيق وطيب . و { الرعد } : الصوت الذي يخرج من السحاب ، و { البرق } : النور الذي يخرج منه . قال ابن عزيز : رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ الله عزَّ وجلَّ ينشىءُ السَّحَابَ فَتنطِقُ أحْسَنَ النطْق ، وتَضْحَكُ أحسَنُ الضحك ، فنطقها الرعدُ ، وضَحِكُها البَرْقُ " وقال ابن عباس : " الرعدُ مَلَكٌ يسوقُ السَّحابَ ، والبرقُ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ يَزْجُرُ بهِ السَّحَاب . هـ . والصواعق : قطعة من نار تسقط من المخراق الذي بيد سائق السحاب ، وقيل : تسقط من نار بين السماء والأرض ، والله تعالى أعلم . يقول الحقّ جلّ جلاله : ومثل المنافقين أيضاً كأصحاب مطر غزير { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ } وهدير أصابهم في ليلة مظلمة وقفراء مُدْلهمة . فيه { بَرْقٌ } يلمع ، وصاعقة تقمع ، إذا ضرب الرعد وعظم صوته جعلوا { أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } من الهول والخوف حذراً من موت أنفسهم ، وقد ماتت أرواحهم وقلوبهم ، وإذا ضرب البرق كاد { أن يخطف أبصارهم } ، فإذا لمع أبصروا الطريق ، و { مشوا فيه ، وإذا أظلم عيهم قاموا } متحيرين حائدين عن عين التحقيق ، { وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُ } [ البُرُوج : 20 ] . { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بصوت ذلك الرعد ، { وَأَبْصَارِهِمْ } بلمعان ذلك البرق ، { إن الله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء . هذا مثلهم في تحيّرهم واضطرابهم ، فيحتمل أن يكون من التشبيه المركب ، وهو تشبيه الجملة بالجملة ، أو من المفَصَّل ، فيكون المطر مثالاً للقرآن ، وفيه ذكر الكفر والنفاق المُشَبَّهَيْن بالظلمات ، والوعد عليه والزجر المشبّه بالرعد ، والحُجج الباهرة التي تكاد أحياناً تبهرهم المشبهة بالبرق ، وتخوفهم وروعُهم هو جَعْل أصابعهم في آذانهم ، لئلا يسمعون فيميلوا إلى الإيمان ، وفَضْحُ نفاقهم وتكاليفُ الشرع التي يكرهونها هي الصواعق . والله تعالى أعلم . الإشارة : أهل الخصوصية إذا ظهروا بين العموم بأحوال غريبة وعلوم وَهْبية ، وأسرار ربانية وأذكار نورانية ، دهشوا منهم وتحيّروا في أمرهم ، وخافوا على أنفسهم ، فإذا سمعوا منهم علوماً لدنية وأسراراً ربانية فرّوا منها ، وجعلوا أصابعهم في آذانهم ، خوفاً على نفسهم أن تفارق عوائدها وهواها ، وإذا خاصمهم أحد من العموم ألجموه بالحجة ، فتكاد تلك الحجة تخطفه إلى الحضرة ، كلما لمع له شيء من الحق مشى إلى حضرته ، وإذا كرّت عليه الخصوم والخواطر ، وأظلم عليه الحال ، وقف في الباب حيران ، ولو شاء الله لذهب بعقله وسمعه وبصره ، فيبصر به إلى حضرته . من استغرب أن ينقذه الله من شهوته ، وأن يخرجه من وجود غفلته ، فقد استعجز القدرة الإلهية { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِراً } [ الكهف : 45 ] . فالصِّيَّب الذي نزل من السماء كِنَايةٌ عن الواردات والأحوال التي ترد على قلوب العارفين ، ويظهر أثرها على جوارحهم ، والظلمات التي فيها كناية عن اختفاء بعضها عن أهل الشريعة فينكرونها ، والرعد كناية عن اللهج بذكر الله جهراً في المحافل والحلق ، والبرق كناية عن العلوم الغريبة التي ينطقون بها والحجج التي يحتجون بها على الخصوم ، فإذا سمعها العوام اشمأزت قلوبهم عن قبولها ، فإذا وقع منهم إنصاف تحققوا صحتها فمالوا إلى جهتها ، ومَشَوْا إلى ناحيتها ، فإذا كَرَّت عليهم الخصوم قاموا منكرين ، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [ هُود : 118 ] . ولما ذكر الحق من تخلق بالإيمان ظاهراً وباطناً ، ومن تحلّى به كذلك ، ومن أخفى الكفر وأظهر الإيمان ، دعا الكل إلى توحيده وعبادته .