Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 221-221)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : بدأ الحقّ جلّ جلاله بذكر محل النكاح ، وسيأتي في سورة النساء تمامه في قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ … } [ النِّساء : 23 ] الآية . يقول الحقّ جلّ جلاله : ولا تتزوجوا النساء { المشركات حتى يؤمن } ، ونكاحهن حرام ، بخلاف الكتابيات ، كما في سورة المائدة . ونكاح أمة سوداء { مؤمنة خير من } نحكاح { مشركة ولو أعجبتكم } حُسناً وحسباً ومالاً ، أو : ولا مرأةٌ مؤمنة أمة كانت أو حُرة خَيْرٌ من مشركة إذ النساء كلهم إماء الله . رُوِيَ أنه عليه الصلاة والسلام - بعث مَرْثَداً الغَنَوي إلى مكة ليُخرج منها نَاساً من المسلمين فأَتتْه امرأة يقال لها : عناق ، وكان يهواها في الجاهلية - فقالت : ألا تخلو ؟ فقال : إن الإسلام حال بيننا ، فقالت : هل لك أنْ تتَزَوج بي ؟ فقال : نعم ، ولكن أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاره ، فنزلت الآية . البيضاوي . ولا تُزوجوا { المشركين } وليَّتَكم ، وهو حرام مطلقاً إذ الرجال قوامون على النساء ، ولا تَسلُّطَ للكافر على المسلمة ، فلا تُنكحوهم { حتى يؤمنوا } ، { ولعبد } أسود مملوك { مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } حسباً ومالاً إذ لا حسب مع الكفر ، وإنما حرَّم نكاح أهل الكفر لأنهم { يدعو إلى } الكفر ، وهو سبب { النار } ، والصحبة توجب عقد المحبة ، والطباع تُسْرق ، فلا يَؤمنُ جانب الكفر أن يغلب على الإيمان ، { والله } تعالى إنما { يدعو إلى } سبب { المغفرة } والتطهير من لَوث الكفر والمعاصي { بإذنه } وقدرته ، فلا يأمر إلا بما يقوى عقد الإيمان واليقين ، ويُنهض إلى الطاعات ، وهو صحبة أهل الإيمان واليقين ، { ويُبين آياته } الدالّة على جمع عباده إليه { لعلهم يتذكرون } فيها ، ويتعظون بتذكيرها ووعظها . الإشارة : لا ينبغي للفقير أن يعقد مع نفسه عقد الصحبة والمودة ، أو ينظر إليها بعين الشفقة والرحمة ، ما دامت مشركة بشهود السّوى ، أو مائلة بطبعها إلى الهوى ، ولأن تكون عندك نفس مؤمنة بعلم التويد ، خير من نفس مشركة برؤية الغير ، ولو أعجبتك في الطاعة ، وظهور الاستقامة ، فقد تُظْهر الطاعة والخدمة ، وتُبطن مالها فيها من الحظوظ والمتعة ، فليتهمها ما دامت مشركة ، فإذا آمنت ووحدت الله تعالى ، فلم تر معه سواه ، فلا بأس بعقد النكاح معها ، فإنها لا تأمره إلا بما يقوي شهودها وتوحيدها . وكذلك لا ينبغي أن يعقد نكاح نفسه ، ويدفعها لمن يشهد السّوى ، شيخاً أو أخاً ، ولو أعجبك طاعته واجتهاده ، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه ، خير من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه ، أولئك أهل النفوس - يدعون إلى نار الشهوات والحظوظ العاجلة أو الآجلة ، والله يدعو إلى التطهير من شهود الأغيار ، والدخول في حضرة الأسرار ، وهذا لا يكون إلا للعارفين الأبرار الذين تطهروا من الأكدار ، وتخلصوا من شهود الأغيار ، كذلك يُبين الله آياته الناس - الدالّة على وحدانيته - لعلهم يتعظون فينزجرون عن متابعة الهوى ، أو رؤية وجود السوى . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . ولما بيَّن الحقُ تعالى ما يحرم في النكاح أصالَةً ، بيَّن ما يحرم فيه عُروضاً .