Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 234-235)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : و { الذين يُتوفون } : مبتدأ : و { يتربصن } : خبر ، ولا بد من الحذف ليصح الإخبار ، إما من الصدر أو من العَجزُ ، أي : وأزواج الذين يتوفون ، أو الذين يتوفون أزواجهن يتربصن . يقول الحقّ جلّ جلاله : { والذين } يموتون منكم ، أيها المؤمنون ، ويتركون { أزواجاً } ، فلا يتزوجن حتى { يتربصن } أي : يمكثن { بأنفسهن أربعة أشهر } وعشرة أيام لأن الجنين يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكراً ، ولأربعة إن كان أنثى في الغالب ، وزيد عشرةً ، استظهاراً ، هذا في غير الحامل ، أما الحامل ، فعدتها وضع حملها . { فإذا بلغن أجلهن } أي : انقضت عدتهن ، { فلا جناح عليكم } أيها الأولياء { فيما فعلن في أنفسهن } من التزين والتعرض للنكاح أو التزوج ، { بالمعروف } ، بحيث لا ينكره الشرع من تزين ونكاح ، { والله بما تعملون خبير } فيجازيكم على ما فعلتم . { ولا جناح عليكم } أيها الخُطَّاب { فيما عرَّضتم به } للمعتدات { من خطبة النساء } كقول الرجل : إني لراغب في صحبتكم ، وإني أريد أن أتزوج في هذه الساعة . وإنك لنافقة ، أو لا يصلح لك أن تبقى بلا زوج ، ونحو هذا ، { أو أكننتم } أي : أضمرتم { في أنفسكم } في زمن العدة من أمر التزوج دون تصريح ، { علم الله أنكم } ستذكرون النساء المعتدات ، وتتكلمون في نكاحهن ، حرصاً وتمنياً ، فعرّضُوا بذلك ، { ولكن لا تواعدوهن سرّاً } أي : في الخلوة ، أو لا تواعدوهن نكاحاً أو جماعاً ، { إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } وهو التعريض بالألفاظ المتقدمة . ولا تقطعوا { عقدة النكاح } ، وتعزموا على فعله { حتى يبلغ } كتاب المعتدة { أجله } ، وتنقضي العدة ، { واعملوا أن الله يعلم ما في أنفسكم } من الرغبة والحرص ، { فاحذروه } فإنَّ الحرص على الشيء ، والرغبة فيه ، قبل أوانه ، ربما يعاقب صاحبه بحرمانه ، وما قُدِّر لكَ لا يكون لغيرك ، وما كان لغيرك لا يكون لك ، ولو فعلت ما فعلت ، { واعلموا أن الله غفور } لِمَا استعجلتم فإن الإنسان خُلق عجولاً ، { حليم } فلا يعاجلكم ولا يفضح سرائركم . الإشارة : إذا ماتت النفس عن الهوى ، وتركت حظوظاً وشهوات ، فلا ينبغي أن يردها إلى ذلك حتى تتربص مدة ، فيظهر عليها آثارُ الزهد من السكون إلى الله ، والتأنس بمشاهدة الله حتى تغيب عما سواه . فإذا بلغت هذا الوصف فلا جناح على المريد أن يسعفها فيما تفعل بالمعروف ، من غير سَرَفٍ ولا ميل إلى هوى ، لأن فعلها حينئذٍ بالله ، ومن الله ، وإلى الله ، { والله بما تعملون خبير } لا يخفى عليه شيء من أمرها ، ولا جناح عليكم ، أيها المريدون ، إن تزكت نفوسكم ، وطهرت من الأغيار قلوبكم ، فيما عرضتم به من خطبة أبكار الحقائق وثيبات العلوم ، أو أكننتم في أنفسكم من المعارف والفهوم ، علم الله أنكم ستذكرون ذلك باللسان قبل أن يصل الذوق إلى الجَنَان ، فلا تصرحوا بعلوم الحقائق مع كل الخلائق فإن ذلك من فعل الزنادق ، إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ، إشارة أو تلويحاً ، فعلمنا كله إشارة ، فإذا صار عبارة خفي . ولا تطلبوا علم الحقائق قبل بلوغ أجله ، وهو موت النفوس ، والزهد في الفلوس ، وكمال التربية ، وتمام التصفية ، { واعملوا أن الله يعلم ما في أنفسكم } من الشرة إليها قبل أوانها ، { فاحذروه } أن يعاقبكم بحرمانها ، { واعلموا أن الله غفور حليم } لا يعاجلكم بحرمان قصدكم ، إن صح مقصدكم ، والله تعالى أعلم ، وبالله التوفيق .