Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 23-25)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فإن قلت : الريب في القرآن قد وقع من الكفار قطعاً ، فكيف عبّر بإِنْ الدالة على الشك والتردد ؟ قلت : { إن } جازمة للفظ الشرط أو محله ، موضوعة للشك في الشرط . و " إذا " لا تجزم في اللفظ ، وتدل على الجزم في المعنى ، وفي ذلك يقول القائل : @ إنا إنْ شَككتُ وجدْتُموني جَازِماً وإذا جَزمتُ فإنني لَمْ أجزمِ @@ فإن قلت : الريب في القرآن قد وقع من الكفار قطعاً ، فكيف عبّر بإنْ الدالة على الشك والتردد ؟ قلت : لما كان ريبهم واقعاً في غير محله - إذ لو تأملوا أدنى تأمل لزال ريبهم لوضوح الأمر وسطوع البرهان - كان ريبهم كأنه مشكوك فيه ومتردد في وقوعه ، والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر ، أو القائم بالشهادة ، أو الناصر ، أُطْلِقَ على الأصنام لأنهم يزعمون أنها تشهد لهم ، ومعنى دون : أدنى مكان من الشيء ، ثم استعير للرُّتَب فقيل : زيد دون عمرو أي : في الشرف ، ثم اتسع فيه فاستعير لكل تجاوزِ حدّ إلى حد ، وتخطّي أمرٍ إلى آخر . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وَإِن كُنتُمْ } يا معشر الكفار { فِي } شك { مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى } محمد { عَبْدِنَا } ورسولنا المختار لِسِرّ وحينا ، { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن } جنسه في البلاغة والفصاحة ، مشتملة على علوم وأسرار ومغيبات كما اشتمل عليه كتابي ، { وَادْعُوا } من استطعتم ممن تنتصرون به على ذلك الإتيان ، مِن آلهتكم التي تزعمون أنها تشهد لكم يوم القيامة ، أو من حضركم من البلغاء والفصحاء ممن تنتصرون به { مِن دُونِ اللَّهِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في أنها تنفعكم . { فَإن لَّمْ } تقدروا أن { تَفْعَلُوا } ذلك { ولَن } تقدروا ابداً فأسلموا وأقرُّوا بالحق ، و { اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } أي : حجارة الكبريت ، فَهُمَا حطبُها ووقودها { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ } . { وَبَشِّرِ } يا محمد ويا مَن يصلح منه التبشير { الَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله ، { وَعَمِلُوا } ما كلفوا به من الأعمال { الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارِ } أي : من تحت قصورها ، وهي أنهار من ماء ، وأنهار من عسل ، وأنهار من لبن ، وأنهار من خمر لذة للشاربين . { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً } أي : صنفاً ، { قَالُوا هَذَا الَّذِين رُزقْنَا مِن قَبْلُ } في دار الدنيا ، فإن الطباع تميل إلى المألوف ، فالصفة متفقة والطعم مختلف . أو في الجنة ، قيل : هذا لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسُ محمدٍ بيدِه إنَّ الرجلَ مِنْ أهلِ الجنةِ لَيتَناولُ الثمرة لِيأكلهَا فما هي واصِلةٌ إلى جَوفِه حتى يبدل الله تعالى مكانها مِثلَها " ، فلعلهم إذا رأوها على الهيئة الأولى قالوا ذلك ، لفرط استغرابهم ، وتبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه البليغ في الصورة ، { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ } أي : حور { مُّطَهَّرَةٌ } من الحيض ، وسائر الأدناس ، ومن الأخلاق المذمومة ، والشيم الذميمة ، { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فإن النعيم إذا كان يعقُبه الفناء تنغّص على صاحبه ، كما قال الشاعر : @ لا خيرَ في العيشِ ما دَامتْ مُنغَّصَةً لَذاتُه بادِّكارِ الموتِ والهَرَمِ @@ الإشارة : وإن كنتم يا معشر العوام في شك مما خصصنا به ولينا من الأنوار ، وما أنزلنا على قلبه من المعارف والأسرار ، وما ظهر عليه من البهجة والأنوار ، وما اهتدى على يديه من الصالحين والأبرار ، فأتوا أنتم بشيء من ذلك ، وانتصروا بما قدرتم من دون الله إن كنتم صادقين في المعارضة ، قال القشيري : وكما أن كيد الكافرين يَضْمَحِلُّ في مقابلة معجزات الرسول ، فكذلك دعاوى المُلْبِسين تتلاشى عند ظهور أنوار الصديقين . هـ . فإن لم تفعلوا ما ذكرنا من المعارضة ، ولن تقدروا على ذلك أبداً ، فأَذْعنوا ، واخْضعوا ، واتقوا نار القطيعة والحظوظ ، والطمع والهلع ، التي مادتها النفوس والفلوس إذ بهما هلك مَن هلك وفاز مَن فاز أُعدت تلك النار للمنكرين الخصوصية ، الجاحدين لوجود التربية النبوية . وبَشِّر الصديقين بوجود الخصوصية ، المنقادين لأهلها ، أن لهم جنات المعارف في الدنيا ، وجنات الزخارف في الآخرة ، تجري من تحت قلوب أهلها أنوار العلوم والمعارف ، فإذا كشف لهم يوم القيامة عن أسرار ذاته ، قالوا : هذا الذي عرفناه من قبل في دار الدنيا ، إذ الوجود واحد والمعرفة متفاوتة ، وأتُوا بأرزاق المعارف متشابهة لأن مَنْ عَرَفه في الدنيا عرفه في الآخرة ، ومَن أنكره هنا أنكره يوم القيامة ، إلا في وقت مخصوص على وجه مخصوص ، ولهم في جنات المعارف عرائس المعارف والكشوفات ، مطهرات من أدناس الحس وعبث الهوى والشهوات ، وهم بعد تمكنهم من شهود الذات ، خالدون في عُشّ الحضرة ، فيها يسكنون وإليها يأوون . وقال القشيري : كما أن أهل الجنة يجدد لهم النعيم في وقت ، فالثاني عندهم على ما يظنون كالأول ، فإذا ذاقوه وجدوه غير ما تقدم ، كذلك أهل الحقائق : أحوالهم في الزيادة أبداً ، فإذا رقي أحدهم عن محله ، توهم أن الذي سيلقاه في هذا النَّفس مثل ما تقدم ، فإذا ذاقه وجده فوق ذلك بأضعاف ، كما قال قائلهم : @ ما زِلتُ أنزلُ مِنْ وِدادِكَ مَنْزِلاً تَتحَيرُ الألبابُ عِندَ نُزُولهِ @@ ولما ضرب الله الأمثال في القرآن للمنافقين وغيرهم تكلم في ذلك بعض الكفار والملحدين .