Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 26-27)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الحياء : خُلُق كريم يمنع صاحبه من ارتكاب ما يعاب به ، وفي الحديث : " إنَّ الله حَيِيٌ كَريم " ، و { مثلاً } مفعول ، و { ما } نكرة ، صفته ، و { بعوضة } بدل ، والبعوضة : الذباب . وفي الحديث : " لوْ كَانَتِ الدُّنيَا تُسَاوِي عندَ الله جَنَاحَ بعُوضَةٍ مَا سَقَى الكافرَ منها جَرْعَة ماءٍ " ، وقيل : صِغَار البَقِّ ، أي : إن الله لا يترك أن يضرب مثلاً - أيّ مثل كان - بعوضة فما فوقها . أو { بعوضة } مفعول أول ، و { مثلاً } مفعول ثانٍ ، من باب جعل ، و { ماذا } إما مبتدأ وخبرِ ، على أن { ذا } موصولة ، أو مفعولة بأراد على أنها مركبة ، و { مثلاً } حال أو تمييز . والفسق : الخروج ، يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها . يقوله الحقّ جلّ جلاله : { إنَّ اللَّهَ } لا يترك ترك المستحيي { أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } بالخسيس والكبير كالذباب والعنكبوت وغير ذلك . فأما المؤمنون فيتيقَّنُون { أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } ، وحكمته : إبراز المعاني اللطيفة في قوالب المحسوسات ليسهل الفهم ، وأما الكفار فيعترضون ويقولون : { مَاذَا أَرَادَ الله } بهذه الأمثال ؟ فإن الله منزه عن ضرب الأمثال بهذه الأشياء الخسيسة ، قال الله تعالى في الرد عليهم : أراد بهذا إضلال قوم بسبب إنكارها ، وهداية آخرين بسبب الإيمان بها ، { وَمَا يُضِلُّ } بذلك المثل إلا الخارجين عن طاعته ، { الذين } نقضوا العهد الذي أُخذ عليهم في عالم الذَّرِّ ، أو مطلق العهد ، { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } من الأنبياء والرسل والأرحام وغيرها ، { وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ } بالمعاصي والتعويق عن الإيمان ، { أَوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } الكاملون في الخسران ، نعوذ بالله من الخذلان . الإشارة : إن الله لا يترك أن يظهر مثلاً من أنوار قدسه بارزاً بقدرته ، مرتدياً برداء حكمته ، ملتبساً بأسرار ذاته ، مَكسُوّاً بأنوار صفاته من الذرة إلى ما لا نهاية له ، فالمتجلِّي في النملة هو المتجلي في الفيلة ، فأما الذين صَدَّقُوا بتجلي الذات في أنوار الصفات ، فيقولون : إنه الحق فائضٌ من نور الربوبية ، محتجباً برداء الكبرياء وسبحات الألوهية . وأما الجاحدون لظهور نور ذات الربوبية فينكرونه في حال ظهوره ، ويقولون : ماذا أراد الله بهذه العوالم الظاهرة ؟ فيقول الحق تعالى : أردت ظهور قدرتي وعجائب حكمتي ، ليظهر سر ربوبيتي في مظاهر عبوديتي . قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : " العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية " وقيل لأبي الحسن النُّورِي : ما هذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة ؟ فقال : عز ظاهر وملك قاهر ، ومخلوقات ظاهرة به ، وصادرة عنه ، لا هي متصلة به ولا منفصلة عنه ، فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه ، لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها . هـ . فأراد الله بظهور هذا الكون أن يضل به قوماً فيقفون مع ظاهر غرَّتِه ، ويهدي به قوماً فينفذون إلى باطن عبرته . وما يضل به إلا الفاسقين الخارجين عن دائرة الشهود ، المنكرين لتجليات الملك المعبود ، الذين ينقضون عهد الله ، وهو معرفة الروح التي حصلت لها وهي في عالم الذر ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الشيوخ العارفين ، الذين أَهَّلَهُمَ الله للتربية والترقية ، وهم لا ينقطعون ما دامت المِلَّةُ المحمدية ، ويفسدون في الأرض بالإنكار والتعويق عن طريق الخصوص ، بتضييعهم الأصولَ ، وهي صحبة العارفين ، والتأدب لهم ، والتعظيم لحرمتهم . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .