Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 248-248)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : قال الجوهري : أصل التابوت : تأبُوة ، مثل تَرْقُوة وهي فَعْلُوةٌ ، فلما سُكِّنتْ الواو ، انقلبت هاء التأنيث تاءٌ ، فلغة قريش بالتاء ، ولغة الأنصار بالهاء . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقال لهم نبيهم } لَمَّا طلبوا منه الحجة على اصطفاه طالوت للملك : { إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت } وهو صندوق من خشب الشمشار مُمَوَّه بالذهب ، طوله ثلاثة أذرع في سعة ذراعين { فيه سكينة من ربكم } أي : فيه ما تسكن إليه قلوبكم وتثبت عند الحرب . وكانوا يُقدمونه أمامهم في الحروب فلا يفرون ، ويُنصرون على عدوهم ، وقيل : كان فيه صور الأنبياء من آدم السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : كان فيه طَسْت من ذهب غُسلت به قلوب الأنبياء - عليهم السلام - وهي السكينة - وفي { بقيمة مما ترك آل موسى } وهي رُضاض الألواح ، وعصا موسى ، وثيابه ، وعمامة هارون والآل : مقحم فيهما . { تحمله الملائكة } قال وهب : لما صار التابوت عند القوم الذين غلبوا بني إسرائيل - فوضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام ، فكانت الأصنام تُصبح مُنكسرة ، فحملوه إلى قرية قوم ، فأصاب أولئك القومَ أوجاعٌ ، فقالوا : ما هذا إلا لهذا التابوت ، فلنتركه إلى بني إسرائيل ، فأخذوا عَجَلَةً فجعلوا التابوت عليها وربطوها ببقرتين ، وأرسلوهما نحو بلاد بني إسرائيل ، فبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل ، وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر ، وقيل غيرُ ذلك . وقوله تعالى : { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } يحتمل أن يكون من كلام نبيهم ، أو من كلام الحق تعالى لنبينا - عليه الصلاة والسلام - . الإشارة : من شأن غالب النفوس ألا تقبل الخصوصية عند أحد حتى تظهر علامتُها ، ولذلك طالب الكفارُ الرسلَ بالمعجزات ، وطالب العوامُ الأولياءَ بالكرامات ، ويكفي في الولي استقامة ظاهره ، وتحقيق اليقين في باطنه . قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : " إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان : كرامة الإيمان بمزيد الإيقان ونعت العيان ، وكرامة العمل على السنة والمتابعة ، وترك الدعاوى والمخادعة ، فَمنْ أُعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو مفترٍ كذاب ، أو ذو خطأ في العلم والعمل … " الخ كلامه رضي الله عنه . وقال في العوارف : وقد يكون مَنْ لا يُكَاشَفُ بشيء من معاني القَدَر أفضل ممن يكاشف بها ، إذا كاشفه الله تعالى بصرف المعرفة ، فالقدرة أثر من القادر ، ومن أُهِّل لقرب القادر لا يستغرب ولا يستكثر شيئاً من القدرة ، ويرى القدرة تتجلّى من سُحُب أجزاء عالم الحكمة . فالكرامة إنما تظهر للقلوب المضطربة والنفوس والمتزلزلة ، وأما من سكن قلبه باليقين واطمأنت نفسه بالعيان لم يحتج إلى دليل برهان إذ الجبال الراسية لا تحتاج إلى دُعامة ، والله تعالى أعلم . وكل من طالب أهلَ الخصوصية بالكرامة الحسية ففيه نزعة إسرائيلية ، حيث قالوا لنبيهم بعد أن عيَّن لهم مَنْ أكرمه الله بخصوصية الملك : { أَنَّى يَكُونُ لَهُ لْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } [ البقرة : 247 ] . ورد الحق تعالى عليهم بقوله : { والله يؤتي ملكه من يشاء } . وما أظهر لهم كرامة التابوت إلا بعد امتناعهم من الجهاد المُتَعَيَّنِ عليهم رحمةٌ بهم . والله تعالى أعلم .