Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 256-256)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { الرُشْد } : مصدر رَشُد ، بالكسر والضم ، رشداً ورشاداً ، و { الغي } : مصدر غَوَى ، إذا ضلَّ مُعْتَقَدِه ، و { الطاغوت } : فعلوت من الطغيان ، وأصله : طغيوت ، فقلبت لام الكلمة لعينها فصار طيغوت ، ثم قلبت الياء ألفاً . وهو كل ما عُبد من دون الله راضياً بذلك ، و { العروة } : ما تستمسك به اليد عند خوف الزلل كالحبل ونحوه ، ووثوقها : متانتها ، وانفصامها أن تنفك عن موضعها ، وأصل الفصم في اللغة : أن ينفك الخلخال ونحوه ولا يَبِين ، فإذا بان فهو القَصْم - بالقاف - وهو هنا استعارة للدّين الصحيح . يقول الحقّ جلّ جلاله : في شأن رجلًٍ من الأنصار ، تَنَصَّر ولدَاه قبل البَعْثَة فلما جاء الإسلامُ قَدِمَا إلى المدينة فدعاهما أبوهما إلى الإسلام فامتنعا ، فَلزمَهُمَا أبوهُما وقال : والله لا أدِعكما حتى تُسلما ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { لا إكراه في الدين } ، فهو خبر بمعنى النهي ، أي : لا تُكرهوا أحداً على الدخول في الدين . وهو خاص بأهل الكتاب . قال البيضاوي : إذ الإكراه في الحقيقة هو : إلزام الغير فعلاً لا يرى فيه خيراً ، ولكن { قد تبين الرشد من الغي } أي تميّز الإيمان من الكفر بالآيات الواضحة ، ودلت الدلائل على أن الإيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية ، والكفر غيّ يوصل إلى الشقاوة السرمدية . والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسُه إلى الإيمان طلباً للفوز بالسعادة والنجاة ، ولم يحتج إلى الإكراه والإلجاء . هـ . { فمن يفكر بالطاغوت } أي : يبعد عنها ويجحد ربوبيتها { ويؤمن بالله } أي : يصدق بوحدانيته ، ويقر برسله ، { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي : فقد تسمك بالدين المتين ، لا انقطاع له أبداً ، { والله سميع } بالأقوال ، { عليم } بالنيات ، فإنَّ الدين مشتمل على قول باللسان وعقد بالجَنَان ، فحسن التعبير بصفة السمع والعلم . والله تعالى أعلم . الإشارة : قال في الحكم : " لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق ، إنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك " . وقال أحمد بن حضرويه : الطريق واضح ، والحق لائح ، والداعي قد أَسْمَع ، ما التحير بعد هذا إلا من العمَى . هـ . فطريق السير واضحة لمن سبقت له العناية ، باقية إلى يوم القيامة ، وكل ما سوى الله طاغوت ، فمن أعرض عن السَّوَى ، وعلق قلبه بمحبة المولى ، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، التي لا انفصام لها على طول المدى ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .