Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 261-262)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { مثل الذين } : مبتدأ ، و { كمثل } : خبر ، ولا بد من حذف مضاف ، إما من المبتدأ أو الخبر ، أي : مثل نفقة الذين ينفقون كمثل حبة ، أو مثل الذين ينفقون كمثل باذر حبة … الخ . يقول الحقّ جلّ جلاله : في التحريض على النفقة في سبيل الله : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } أي : يتصدقون بها في سبيل الله ، كالجهاد ونحوه ، { كمثل } زارع { حبة أنبتت } له { سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } ، فالمجموع سبعمائة . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " الحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، إلى سَبعمائَة إلى أضْعَافٍ كَثيرَةٍ " وإسناد الإنبات إلى الحبة مجاز ، والمنبت هو الله ، وهذا مثال لا يقتضي الوقوع ، وقد يقع في الذرة والدخن في الأرض الطيبة ، بحيث تخرج الحبة ساقاً يتشعب إلى سبع شعب ، في كل شعبة سنبلة ، { والله يضاعف } تلك المضاعفة { لمن يشاء } بفضله ، على حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه ، وبحسبه تتفاوت الأعمال في مقادير الثواب ، { والله واسع } لا يضيق عليه ما يتفضل به من الثواب ، { عليم } بنية المنفق وقدر إنفاقه . ثم ذكر شرطَيْن آخرَيْن في قبول النفقة ، فقال : { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى } . المن : أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه بحيث يقول : أنا فعلت معه كذا ، وكذا إظهاراً لميزته عليه . والأذى : أن يتطاول عليه بذلك . ويقول : لولا أنا لم يكن منك شيء ، مثلاً . فمن فعل هذا فقد ذهبت صدقته هباءاً منثوراً ، ومن سلم من ذلك ، وأنفق ماله ابتغاء وجه الله فـ { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه : إذا أعطيت أحداً شيئاً وظننت أن سلامَكَ يَثْقُلُ عليه فَكُفَ سلامَكَ عنه . هـ . قيل : إن الآية نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما أما عثمان فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها . وقال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عُثْمَانُ بألْفِ دِينَارِ في جيش العُسْرَةِ ، فصَبَها في حُجْرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فَرَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُدخل يَده فيها ، ويُقلِّبهَا ويقول : " ما ضَرَّ ابن عفَّان ما عَمِلَ بَعْدَ اليوم " زاد في رواية سعيد : فرأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم رافعاً يدعو لعثمان ، ويقول : " يا رب عثمان بن عفان ، رضيتُ عنه فارض عنه " وأما عبد الرحمن : فإنه أتى النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم ، صدقة ، وأمسك أربعة آلاف لعياله ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لك فيما أعطيتَ وفيما أمسكتَ " . وإنما لم يدخل الفاء في قوله : { لا خوف عليهم } ، مع أن الموصول قد تضمن معنى الشرط ، إيهاماً بأنهم أهلٌ لذلك ، وإن لم يفعلوا ، فكيف بهم إذا فعلوا . قاله البيضاوي . الإشارة : التقرب إلى الله تعالى يكون بالعمل البدني وبالعملي المالي ، وبالعمل القلبي ، أما العمل البدني ، ويدخل فيه العمل اللساني ، فقد ورد فيه التضعيف بعشر وبعشرين وبثلاثين وبخمسين وبمائة ، وبأكثر من ذلك أو أقل ، وكذلك العمل المالي : قد ورد تضعيفه إلى سبعمائة ، ويتفاوت ذلك بحسب النيات والمقاصد ، وأما العمل القلبي : فليس له أجر محصور ، قال تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزُّمَر : 10 ] ، فالصبر ، والخوف ، والرجاء ، والورع ، والزهد ، والتوكل ، والمحبة ، والرضا ، والتسليم ، والمعرفة ، وحسن الخلق ، والفكرة ، وسائر الأخلاق الحميدة ، إنما جزاؤها : الرضا ، والإقبال والتقريب ، وحسن الوصال . قال تعالى : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ } [ التّوبَة : 72 ] أي : أكبر من الجزاء الحسيّ الذي هو القصور والحور . وأما قوله عليه الصلاة والسلام : " تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " . فإنما هو كناية عن الكثرة والمبالغة ، كقوله تعالى : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهَمْ } [ التّوبَة : 80 ] . ومثله قول الشاعر : @ كُلُّ وَقْتٍ من حبَيبِي قَدْرُه كألفِ حجَّهْ @@ أي : سَنَة . والله تعالى أعلم . ثم بيَّن الحقّ تعالى أن حسن الخلق ولين الجانب أفضل من الصدقة المشوبة .