Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 260-260)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : رأى : البصرية ، إنما تتعدى إلى مفعول واحد ، فإذا أُدخلت عليها الهمزة تعدت إلى مفعولين . وعلقها هنا عن الثاني الاستفهام ، { وصرهن } أي : أَمْلهُنَّ واضمُمْهن إليك . وفيه لغتان : صار يصير ويصور ، ولذلك قرئ بكسر الصاد وضمها ، { سعياً } : أي حال ، أي : ساعيات . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر يا محمد ، أو أيها السامع ، حين { قال إبراهيم } عيله السلام : يا { رب أني كيف تحيي الموتى } أي : أبصرني كيفية إحياء الموتى ، حتى أرى ذلك عياناً ، أراد عليه السلام أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين ، وقيل : لما قال للنمرود : { ربي الذي يحيي ويميت } قال له : هل عاينت ذلك ؟ فلم يقدر أن يقول : نعم . وانتقل إلى حجة أخرى ، ثم سأل ربه أن يريه ذلك ليطمئن قلبه على الجواب ، إن سئل مرة أخرى ، فقال له الحقّ جلّ جلاله : { أولم تؤمن } بأني قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة ؟ وإنما قال له ذلك ، مع علمه بتحقيق إيمانه لجيبه بما أجاب فيعلم السامعون غرضه ، { قال } إبراهيم عليه السلام : { بلى } آمنت أنك على كل شيء قدير ، { ولكن } سألتك { ليطمئن قلبي } إذ ليس الخبر كالعيان ، وليس علم اليقين كعين اليقين ، أراد أن يضم الشهود والعيان إلى الوحي والبرهان . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فخذ أربعة من الطير } طاووساً وديكاً وغراباً وحمامة ، ومنهم من ذكر النسر بدل الحمام ، { فصرهن إليك } أي : اضممهن إليك لتتأملها وتعرف أشكالها ، لئلا يلتبس عليك بعد الإحياء أشكالها ، { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً } أي : ثم جَزَّئهن ، وفرق أجزاءهن على الجبال التي تحضرك . قيل : كانت أربعة وقيل : سبعة ، { ثم ادعهن } وقل لهن : تعالين بإذن الله ، { يأتينك سعياً } أي : ساعيات مسرعات ، رُوِيَ أنه أمر أن يذبحها وينتف ريشها ، ويقطعها ويخلط بعضها ببعض ، ويوزعها على الجبال ، ويمسك رؤوسها عنده ، ثم يناديها ، ففعل ذلك ، فجَعَل كل جزء يطير إلى الآخر ويلتئم بصاحبه حتى صارت جثثاً ، ثم أقبل إليه فأعطى كل طير رأسه فطار في الهواء . فسبحان من لا يعجزه شيء ، ولا يغيب عن علمه شيء ، ثم نبّه إلى التفكر في عجائب قدرته وحكمته فقال : { واعلم أن الله عزيز } لا يعجزه شيء ، { حكيم } ذو حكمة بالغة فيما يفعل ويذر . الإشارة : من أراد ان تحيا رُوحُه الحياة الأبدية ، وينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين ، فلا بد أن تموت نفسه أربع موتات : الأولى : تموت عن حب الشهوات والزخارف الدينوية ، التي هي صفة الطاووس . الثانية : عن الصولة والقوى النفسانية ، التي هي صفة الديك . الثالثة : عن خسة النفس والدناءة وبعد الأمل ، التي هي صفة الغراب . الرابعة : عن الترفع والمسارعة إلى الهوى المتصف بها الحمام . فإذا ذبح نفسه عن هذه الخصال حييتْ روحه ، وتهذبت نفسه ، فصارت طوع يده ، كلما دعاها إلى طاعة أتت إليها مسرعة ساعية . وإلى هذا المعنى أشار الشيخ أبو الحسن الشاذلي بقوله في حزبه الكبير : واجعل لنا ظهيراً من عقولنا ومهيمناً من أرواحنا ، ومسخراً من أنفسنا ، كي نسبحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنك كنت بنا بصيراً . ولما كانت حياة الروح متوقفة على أمرين : بذل النفوس ، ودفع الفلوس وقدم الإشارة إلى الأول بقوله : { وقاتلوا في سبيل الله } .